كشف تقرير جديد ان إضرابات التعليم في المغرب من أبرز المظاهر الاجتماعية والسياسية التي تعبّر عن التوتر القائم بين الأطر التعليمية من جهة، والحكومة من جهة أخرى، و اعتقر التقرير ان هذه الإضرابات، التي أصبحت متكررة في السنوات الأخيرة، تطرح تساؤلات عميقة حول واقع المنظومة التعليمية، وتحدياتها البنيوية، ومآلاتها في ظل سياقات اجتماعية واقتصادية وسياسية متغيرة.
و شهد قطاع التعليم في المغرب، مجموعة من الإصلاحات المتتالية: من الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999، إلى الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، وصولاً إلى القانون الإطار رقم 17.51. غير أن هذه الإصلاحات لم تُفلح، في نظر كثير من الفاعلين التربويين والنقابيين، في معالجة الإشكاليات الجوهرية التي يعاني منها القطاع، لا سيما ما يتعلق بتحسين وضعية رجال ونساء التعليم، وجودة التعلمات، وتوفير بنية تحتية ملائمة، وضمان استقرار وظيفي ومهني للأطر التربوية.
و ترجع أسباب الإضرابات المتكررة في التعليم بالمغرب إلى عوامل متعددة، يمكن تلخيصها في نظام التوظيف بالعقدة: منذ سنة 2016، بدأت الحكومة المغربية في اعتماد نمط جديد لتوظيف الأساتذة عبر الأكاديميات الجهوية، وهو ما يُعرف بـ”التوظيف الجهوي” أو “التعاقد”. وقد رفضت شريحة واسعة من الأساتذة هذا النظام، معتبرين أنه يمسّ بالاستقرار المهني ويخلق التفاوت بين الأطر التعليمي.
و اشار التقرير الى تأخر تسوية الوضعيات الإدارية والمالية حيث يعاني العديد من الأساتذة من تأخر في الترقيات، وتسوية مستحقاتهم المالية، وإدماجهم في السلالم المناسبة، وهو ما يدفعهم إلى اللجوء للإضراب كوسيلة ضغط.
و تبه التقرير الى الاختلال في نظام الترقي: يتحدث كثير من الأساتذة عن غياب عدالة في أنظمة الترقية، خصوصاً بالنسبة للترقي بالاختيار أو بالامتحان المهني، بالإضافة إلى التماطل في إصدار النتائج.
و ارتفعت مطالب فئوية مثل ملف حاملي الشهادات، وأطر الإدارة التربوية، والمفتشين، وأطر الدعم الإداري والاجتماعي، الذين يطالبون بتعديلات قانونية وهيكلية تتعلق بإدماجهم في أطر ملائمة، أو بتسوية أوضاعهم، و التراجع عن الحريات النقابية: تشير النقابات إلى وجود تضييق على العمل النقابي في بعض المؤسسات، وغياب الحوار الجاد والمسؤول مع ممثلي الشغيلة التعليمية.
تراوحت ردود فعل الحكومة بين الدعوة إلى الحوار، واتخاذ إجراءات إدارية وقانونية ضد المضربين. ففي بعض الأحيان، يتم الاقتطاع من أجور المضربين، أو توجيه استفسارات وإنذارات، ما يزيد من حدة التوتر.
و تحاول الحكومة تمرير بعض الإصلاحات تحت عنوان “تحسين جودة التعليم”، لكنها تصطدم برفض فئات واسعة من رجال ونساء التعليم الذين يعتبرون أن تلك السياسات لا تستجيب لطموحاتهم، ولا تضمن العدالة الاجتماعية والمهنية.
و تعتبر النقابات التعليمية الإضراب وسيلة مشروعة للدفاع عن الحقوق، وتنتقد ما تعتبره تجاهل الحكومة لمطالب الشغيلة. كما تعمل على تنسيق الجهود بين الفئات المختلفة في إطار “التنسيقيات الوطنية”، التي تُعدّ من أبرز الفاعلين الميدانيين اليوم، خصوصاً تنسيقية الأساتذة المفروض عليهم التعاقد.
و كشف التقرير الى ان الإضرابات المتكررة تؤدي الى تداعيات سلبية على المستوى التربوي والاجتماعي، ضياع ساعات دراسية للتلاميذ، وتراجع في التحصيل، و توتر في العلاقة بين الأسرة والمدرسة و فقدان الثقة في المدرسة العمومية و خلق مناخ من عدم الاستقرار داخل المؤسسات التعليمية.
ودعا التقرير الى تجاوز أزمة الإضرابات التعليمية، إرساء حوار جدي بين الحكومة والنقابات التعليمية على أساس الاحترام المتباد، و إلغاء نظام التعاقد وتعويضه بنظام موحد يضمن الاستقرار المهني و تحقيق عدالة في الترقية والأجور بين جميع فئات نساء ورجال التعليم و إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية من خلال تحسين ظروف العمل وتوفير إمكانيات لوجستية وبيداغوجية حقيقية.
و شدد التقرير أن، أزمة الإضرابات التعليمية في المغرب ليست مجرد احتجاجات فئوية، بل هي تعبير عن أزمة أعمق تعاني منها المنظومة برمتها. وإذا لم يتم التعامل معها بجدية وواقعية، فإن مستقبل التعليم العمومي سيبقى رهينة للتوترات المستمرة، وهو ما يهدد التنمية الاجتماعية والبشرية في البلاد.