النقاش الذي أثاره تقرير المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج يبقى صحيا إذا صفى الجو لاجتراح مقاربات جديدة، ويبقى من حق القضاة والحقوقيين انتقاد ما ورد في التقرير، لكن العملية المهمة هي إثارة النقاش، وسنركز بدورنا على نقطة “الاكتضاض” التي تشكو منه السجون، والتي حملت المندوبية مسؤوليته للقضاة الذين يتولون وضع قرارات الاعتقال.
نرى، والله أعلم علم الغيب، أن القضية أكبر من كل ذلك. فعلا تعاني السجون من الاكتضاض، وما يخلق هذا الاكتضاض هو حالات الوضع رهن الاعتقال الاحتياطي، وهناك من يرى أن بأن كثيرا من الحالات ما كان ينبغي وضعها في السجن، ويرى القضاة أنهم ينفذون السياسة الجنائية للمغرب، وبالتالي تبقى المعادلة صعبة.
لن نتحدث عن الموضوع من حيث السياسة الجنائية، ولكن من حيث الرؤية الاجتماعية. لماذا السجون مكتضة، هو السؤال الحقيقي؟ لماذا بعض الدول سجونها شبه فارغة وأخرى ألغت السجون أصلا؟
موضوع السجون، هو موضوع مجتمعي متكامل، ولا يمكن النظر إليه من زاوية واحدة، بل من زوايا اجتماعية وسيكولوجية وسياسية وغيرها.
لماذا يذهب الناس إلى السجون؟ أغلب من يدخل السجن يرتكب جريمة أو جنحة، منهم قلة ترتكب ذلك بالخطأ، ولكن أغلب من يرتكب الجرائم والجنح هم مرضى بالأساس، وبالتالي ينبغي الجواب عن السؤال الحقيقي: ما هو الدافع للجريمة أو الجنحة؟
لا يمكن تفادي أي عامل وأساسا العوامل الاجتماعية، حيث لا يمكن أن تنتظر من شباب لم يتلقوا تعليما ولا تكوينا، ولم يجدوا شغلا أن يكونوا اسوياء. كي تخلق مجتمعا سويا تصبح فيه الانحرافات والانزياحات قضايا شاذة لابد من من مجتمع متكامل بشكل كبير، مجتمع يجد فيه الطفل بيئة سليمة، ويجد فيه الشاب مكانا ومحضنا للعلم المعرفة، ويجد فيه المتعلم فرصة للشغل.
أما والمجتمع يفقد فيه المواطنون شغلهم، ولا يجد الشباب فرصة، فانتظر الكوارث. ليس هذا تبريرا للجرائم والجنح المرتكبة ولكن تفسيرا لها، وفي غياب التفسير والفهم لا يمكن الجواب عن الإشكالات المطروحة.
تم هناك العوامل السيكولوجية، فأغلب مرتكبي الجرائم والجنح يعانون من أمراض نفسية قد تكون ناتجة عن الأعطاب الاجتماعية، وبالتالي ينبغي معالجتها قبلا وبعدا.
إذا كان سجناء السلفية الجهادية، خضعوا لبرنامج مصالحة، والسجناء الأحداث خضعوا لبرنامج مصارحة، فلماذا لا يخضع باقي المعتقلين لبرامج أخرى؟ هناك بعض المبادرات ولكنها في شكل مبادرات تطوعية.
لماذا لا تخضع السجون لمتابعات نفسية دائمة قصد معالجة السجناء، لأن لأأغلب السجون مملوءة ب”حالة العود”. هذا دليل على فشل سياسة العقاب. وبالتالي ينبغي أن يتم تأسيس سجون بديلة بدل العقوبات البديلة. بالفعل العقوبات البديلة مهمة ولكن ينبغي أيضا دخول زمن السجون البديلة التي تربي بدل أن تعاقب.