حذر كريم بوخصاص، الباحث والأستاذ الجامعي المتخصص في الإعلام، من خطورة المرحلة التي تمر بها الصحافة المغربية، مؤكداً أنها تعيش “أزمة وجودية حقيقية” تفرض التفكير الجدي في سبل إنقاذها، من خلال معالجة جملة من التحديات التي تمس صميم المهنة ووظيفتها داخل المجتمع.
وفي مداخلته خلال ندوة وطنية حول “الصحافة المغربية: الأزمة الوجودية وسبل الإنقاذ”، شدد بوخصاص على أن هناك ثلاث منطلقات أساسية يجب أن تكون مدخلاً لأي إصلاح حقيقي، أولها أن “الإعلام لا يمكن فصله عن أي تقدم تسعى الدولة إلى تحقيقه”، وثانيها “أننا نعيش تحولات إعلامية كبرى تستدعي التأقلم والتحديث”، فيما يتمثل الثالث في “ضرورة التعبير عن التنوع الثقافي والاجتماعي والاستثمار فيه كمصدر غنى لا تهديد”.
سبعة تحديات… ومخاطر متعددة
وسلط بوخصاص الضوء على سبعة تحديات رئيسية يرى أنها تُضعف مناعة الحقل الإعلامي المغربي:
-
أزمة وجودية تهدد الصحافة في صميمها، نتيجة غياب رؤية استراتيجية واضحة.
-
رقمنة جارفة أفرزت اختلالاً في التوازن بين الإعلام التقليدي والمنصات الجديدة.
-
فوضى التنظيم، حيث دعا إلى تنظيم ذاتي حقيقي للمهنة، عوض تركها “في المجهول”.
-
تحول مفاهيمي، إذ فقدت الصحافة كثيراً من دورها التنويري لصالح منطق السوق والعائدات التجارية.
-
انحراف وظيفة الإعلام عن أدواره الأساسية في الإخبار والتنوير والنقد البناء.
-
تحدي الذكاء الاصطناعي، الذي بات يفرض نفسه كفاعل مؤثر في المحتوى والإنتاج الإعلامي.
-
أزمة وطنية اقتصادية تُلقي بظلالها على المهنة، وتُضعف قدرة المؤسسات على الصمود والاستقلالية.
خارطة طريق مقترحة
وقدم بوخصاص جملة من التوصيات للنهوض بالقطاع، من أبرزها:
-
تحصين المؤسسات الإعلامية ومنحها استقلالية حقيقية تضمن أداءها المهني بعيداً عن الضغوط.
-
محاربة الظواهر السلبية مثل التشهير والتزييف، التي تمس بسمعة المهنة ومصداقيتها.
-
التأكيد على ضرورة وجود إرادة سياسية حقيقية لدعم الإعلام كمرفق عمومي واستراتيجي.
-
إعادة الاعتبار التنظيم الذاتي للمهنة كأولوية لا يمكن القفز عليها.
-
رفض منطق التعيين من طرف السلطات الحكومية في الهيئات المنظمة للإعلام.
-
اعتماد دعم عمومي موجه لإعادة التوازن الاقتصادي للقطاع، مع ربطه بالجودة والاحترافية.
-
إقرار نظام ضريبي خاص بالإعلام يأخذ بعين الاعتبار خصوصية القطاع وهشاشته.
-
وأخيراً، بناء وعي جماعي بأهمية الصحافة كركيزة أساسية في أي مشروع ديمقراطي وتنموي.
وختم الخبير بالتأكيد على أن “مستقبل الصحافة في المغرب لن يتحدد فقط بمقدار الدعم أو الإصلاحات القانونية، بل بالقدرة على إعادة بناء الثقة بين الصحافي والمجتمع، وبين المؤسسات الإعلامية والدولة”.