الجريمة، التي تم ارتكابها في حق شرطي منطقة الرحمة بالدار البيضاء، تعتبر تطورا خطيرا في أركان الجريمة الإرهابية. لقد ذهبت الأنظار بداية إلى كونها جريمة من بين الجرائم التي تقع بين الفينة والأخرى ولها طابع اجتماعي. لكن أعين الأمن لا ترى بالرؤية نفسها التي نرى بها نحن. فتتبع الجريمة وفك ألغازها وتفكيك خيوطها الملتبسة هو عنوان الخبرات التي راكمها الأمن المغربي خلال السنوات الأخيرة.
الطريقة التي تصرف بها الإرهابيون كانت تود تضليل التحقيق وممارسة التمويه في أقصى تجلياته، في وقت كانت تحرص الخلايا التابعة لداعش للإعلان عن نفسها، لأن الموقوفين الثلاثة كانوا يسعون إلى تحقيق مشروع تخريبي إرهابي متعدد المستويات بدءا من سرقة سلاح الشرطي الشهيد وسرقة الوكالة البنكية قصد تمويل التسلح من أجل تنفيذ عملية إرهابية كبرى ثم الفرار للالتحاق بتنظيمات داعش بمنطقة الساحل.
لقد اختار الدواعش المنفلتون طريقة جديدة يستهدفون من خلالها بلدنا، الذي شكل حجرة عثرة في وجه مشروعهم خصوصا وأن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والمكتب المركزي للأبحاث القضائية وضعا استراتيجية تجسدت في إغلاق منبع الموارد البشرية التي تحتاجها في بؤر التوتر.
لقد تمكن المغرب من وضع القواعد القانونية والأمنية لمنع استقطاب الشباب المغربي إلى بؤر التوتر، وأغلب الخلايا التي تشكلت لهذا الغرض تم إجهاضها قبل التوجه إلى حيث قيادات التنظيمات الجهادية، وبعض الخلايا لم يكن غرضها فقط القتال في بؤر التوتر ولكن اكتساب الخبرات قصد العودة إلى المغرب وتنفيذ عمليات إرهابية.
وبما أن الأمن المغربي كان قويا في التصدي للخلايا الإرهابية وللذئاب المنفردة فإن الحركات الإرهابية وضعته في مرمى نيرانها، لكن مع التنويع في الأساليب والأدوات، ظنا منها أن ذلك سينطلي على العناصر الأمنية المغربية، التي مهما اشتدت شوكة التنظيمات الإرهابية كانت هي أسرع إلى التصدي لها.
مهما تطورت التنظيمات الإرهابية ومهما حاول الإرهاب التمويه والتضليل فإن أعين الأجهزة الأمنية يقظة ومتنبهة إلى خطورة هؤلاء ولهذا لن يثنيها شيء في التصدي لهم.
فك لغز الجريمة الإرهابية المضللة وفي وقت قياسي، يعني أن الأمن المغربي طوّر من أدوات البحث وخبرات التحري إلى درجة أن كل محاولات التضليل باءت بالفشل، حيث تم وضع اليد على قفا الإرهابيين الذين اغتالوا الشرطي الشهيد، والذين كانوا يودون بعد أن يستقر أمرهم على عمل تخريبي ضخم أن يبعثوا رسالة رعب إلى عناصر الأمن، وفي ذلك تهديد لأمن البلاد.
من سذاجة هؤلاء وغباوتهم ظنهم أن عناصر الأمن يشبهون باقي الموظفين، ويجهلون أنهم حماة البلاد وأمنها واستقرارها والتضحية بالغالي والنفيس من أجل أن يبقى هذا البلد آمنا مطمئنا، لهذا لا يوجد شيء يمكن أن يخيف رجال الأمن رجال التضحية والتفاني في حماية الوطن.