عادت حكومة عزيز أخنوش، لتدشن جولة جديدة من الحوار الاجتماعي بلقاء مع المركزيات النقابية، في ظل تصاعد حدة المطالب العمالية والاحتجاجات ضد مشاريع قوانين تعتبرها النقابات “تضييقاً على الحقوق الاجتماعية”، حيث شكل اللقاء الأول من هذه الجولة شهد تجديد المطالبة بزيادة الأجور، وتنفيذ الاتفاقات السابقة، ومعالجة أعطاب الحوار القطاعي، خاصة في قطاعي التربية الوطنية والصحة.
و جاءت جلسة الحوار بعد تعثر جولة شتنبر المنصرم، التي لم تنعقد رغم الاتفاقات السابقة، وهو ما أثار استياءً في أوساط النقابات. الاتحاد المغربي للشغل طالب بزيادة عامة في الأجور تتماشى مع الارتفاع المتسارع للأسعار، مسلطًا الضوء على الغضب الذي يعم قطاع التربية الوطنية، ومطالبًا بالإسراع في تنفيذ الالتزامات الحكومية، لاسيما اتفاق 26 دجنبر 2023، خاصة في ما يخص البند العاشر المتعلق بالتعويض التكميلي.
أما الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، فقد دعا إلى احترام المنهجية التشاركية في الحوار، وضمان انتظام دوراته، كما شدد على ضرورة تحسين الدخل، خاصة في القطاعين العام والخاص، وعدم إغفال المتقاعدين، الذين يعانون من تدهور القدرة الشرائية في ظل موجة غلاء مستمرة.
و عبرت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن احتجاجها الشديد على ما وصفته بـ”الطريقة الأحادية” في تمرير القانون التنظيمي للإضراب، معتبرة أنه تم خارج منهجية التفاوض والتوافق. وأكدت الكونفدرالية أن هذا القانون “فاقد للشرعية”، مطالبة بإعادته إلى طاولة الحوار الاجتماعي.
النقابة نفسها شددت على ضرورة تنفيذ جميع الاتفاقات السابقة، وعلى رأسها توحيد الحد الأدنى للأجور بين القطاعين الصناعي والفلاحي (SMIG وSMAG)، وربط زيادتهما بتحسين باقي الأجور. كما دعت إلى إحداث آليات جديدة للترقي، وتحويل الحوار الاجتماعي إلى قانون إطار ملزم.
و شكل ملف التقاعد محورًا أساسيًا للنقاش، حيث أجمعت المركزيات النقابية على رفض أي إصلاح من شأنه الإضرار بمكتسبات الشغيلة. الاتحاد المغربي للشغل طالب بالرفع الفوري من معاشات المتقاعدين، واصفًا أوضاعهم بـ”المزرية”، في ظل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد أكدت بدورها على ضرورة التصدي لما وصفته بـ”المخططات العدوانية” ضد مكتسبات الشغيلة، مجددة رفضها القاطع لدمج صندوق CNOPS في CNSS، والتشبث بسن التقاعد في 60 سنة لكلا القطاعين العام والخاص.
وأجمعت النقابات على ضرورة تعزيز الحوار القطاعي، واحترام الحريات النقابية، والتصدي لأي محاولات لتفكيك القطاعات الاجتماعية. كما طالبت النقابات الحكومة بالإسراع في طرح مشروع قانون النقابات، وتعزيز آليات المفاوضة الجماعية كإطار إلزامي للتوافق حول القوانين ذات الطابع الاجتماعي.
وفي هذا السياق، شددت نقابة حزب الاستقلال على أهمية تفعيل الاتفاقات السابقة، خصوصًا اتفاقي 30 أبريل 2022 و29 أبريل 2023، والتعجيل بتعديل القوانين لإحداث درجة جديدة في قطاع الوظيفة العمومية، ومعالجة قضايا تخص أنظمة أساسية عدة، تشمل موظفي الجماعات الترابية، التعليم العالي، تفتيش الشغل، ومستخدمي الوكالات الحضرية.
و مع اقتراب فاتح ماي، تستعد المركزيات النقابية لتنظيم تظاهرات احتجاجية واسعة، ستُخصص للتنديد بما وصفته بـ”المخططات الجهنمية” التي تستهدف حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة. الجبهة المغربية ضد قانون الإضراب دعت إلى جعل هذا اليوم محطة نضالية حقيقية لمواصلة التصدي لمشاريع القوانين التي تعتبرها “رجعية”، وتستهدف الطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية.
و تأتي هذه الجولة من الحوار الاجتماعي في سياق اقتصادي متقلب، وسياسي متوتر، حيث تسعى الحكومة لإقناع الشركاء الاجتماعيين بإصلاحات ضرورية، بينما تتمسك النقابات بالدفاع عن المكتسبات الاجتماعية. وبين الاحتجاجات المتصاعدة والمطالب المتزايدة، تظل نتائج هذا الحوار رهينة بمدى التزام الحكومة بالتشارك، وتقديم حلول ملموسة ترفع من القدرة الشرائية وتضمن كرامة الشغيلة والمتقاعدين على حد سواء.