كل يوم نزداد بصيرة في هذه الحكومة، التي وصفناها من الأول لتنصيبها على أنها حكومة “تجمع المصالح الكبرى”، لكن تفكر في المصلحة بالمعنى الضيق، لأن من يفكر في المصلحة خارج خيار الاستمرار والاستقرار والأمن فهو يسير نحو الخراب.
وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، الذي ظل كاتبا عاما لقطاع الفلاحة سنوات على عهد أخنوش رئيس الحكومة الحالي، أفصح عما يدور في نوايا هذا التجمع المصلحي، ألا وهو القضاء على الفلاحة المعيشية. وهذا ما كشف عنه الوزير الصديقي وهو يتحدث إلى “مهندسين” من حزبه، رغم محاولته التغطية على الموضوع بلغة مغلفة بـ”السم”، إذ اعتبر أن المغرب الأخضر ساهم في نقل الفلاحة من المعيشية إلى الاستثمارية، وأن مخطط المغرب الأخضر جاء للقطع مع السياسات السابقة وتقديم نهج جديد.
عندما تريد القطع مع نهج قديم واستحداث نهج جديد، ينبغي أن تكون النتائج مقاربة للأهداف المرسومة. هذا المخطط لم يكن مجانيا حتى لا نهتم بنتائجه، فقد صُرفت عليه 52 مليار درهم، ناهيك عن مخصصات أخرى لها علاقة بالميزانيات السنوية طوال مدته.
وكان بالإمكان غض الطرف عنه واعتبار هذا الدعم إعانة للفلاحين والمزارعين لو أن هذا المخطط لم يحقق نتائجَ إيجابية لكن حافظ على الوضع الذي كان عليه المغاربة.
غريب أن مخططا استهلك كل هذه الملايير من الدراهم، كي يصل بنا في النهاية إلى هذا الوضع الذي نعيشه.
هل نتحدث للوزير ومن وراءه للحكومة ومن ورائها تجمع المصالح الكبرى، أن المغرب الأخضر أصبح لا لون له ولا طعم ولا رائحة؟
قبل أن نسائل الوزير عن عيد الأضحى وما جرى فيه، نقول له إن المغرب الأخضر أوصل فاكهة الفقراء “التين الشوكي، الهندية، كرموس النصارى” إلى أثمنة ما كانت تخطر على بال، حيث كان يباع في بعض الأماكن بما يسمى “الشبعة”، بمعنى خذ ما تشاء وامنح صاحبها ما تشاء، وكانت تباع بـ”السطل” وتباع بـ”الصندوق” وبأثمنة بخسة دراهم معدودات، بينما وصلت في بعض “السوبر ماركات” إلى 150 درهما للكيلو، ومن النوادر أن أربع حبات هندية تباع في بلاستيكة، وهذا لم يعرفه المغاربة.
قد يستغني المغاربة عن الهندية لكن ماذا عن الخروف الرومي؟ صرفت الحكومة من الميزانية العامة حوالي 30 مليار سنتيم و20 مليارًا مثلها ضرائب من أجل استيراد أكباش لسد الخصاص خلال عيد الأضحى. المغاربة اليوم يبحثون عن الخروف الرومي ليتصوروا معه كما يقولون. لم يظهر أثر لهذه الأكباش بشكل نهائي ومطلق، واختفت من الأسواق كأن الأرض ابتلعتها، وهي أغنام مدعومة سوف تباع بعد العيد وعند عودة الحجاج.
لكنْ سؤال يسبق هذا، هو كيف يعقل أن بلدا صرف الملايير ولم يعد لديه ثروة حيوانية؟ ولم يعد لديه الإنتاج الكافي من القمح زمن الحروب؟
الفلاحة المعيشية كانت على الأقل تضمن الأمن الغذائي للمواطن. نعم للفلاحة الاستثمارية لكن وفق منطق موازنة عقلانية بين الحاجة الداخلية وما يحتاجه السوق الدولي.