وجّه فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب تنبيهاً شديد اللهجة إلى وزير الفلاحة، محذراً من “خطر استنزاف القطيع الوطني”، في ظل تصاعد ممارسات لوبيات المضاربة التي استغلت تراجع أسعار المواشي في السوق المحلي، عقب إلغاء شعيرة الأضحية، لاقتناء أعداد هائلة منها وإعادة بيع لحومها بأثمنة مرتفعة.
وفي سؤال كتابي وقعته النائبة لبنى الصغيري، أكد الفريق أن هذه الممارسات “تُعد ضرباً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في العمق”، مشيراً إلى أن هذه الفئة من “تجار الأزمات” تستغل انهيار أسعار المواشي بنسبة قاربت 50% لتوجيهها مباشرة نحو المجازر، ثم بيعها بأسعار لا تزال تثقل كاهل المواطنين، دون أن يلمس المستهلك أي انعكاس إيجابي على قدرته الشرائية.
في سياق متصل، يثار جدل واسع حول ملف استيراد اللحوم من الخارج، والذي اعتُبر حلاً ظرفياً لتعويض النقص في السوق المحلي. إلا أن هذا الخيار، بحسب عدد من المتتبعين والمهنيين، يشكل خطراً مزدوجاً: من جهة يهدد القطيع الوطني ويزيد من هشاشة القطاع الفلاحي، ومن جهة أخرى يفتح الباب أمام لحوم ذات جودة غير مضمونة، قد لا تحترم معايير السلامة الصحية المعتمدة محلياً.
وقد سبق لعدد من الفاعلين في القطاع الفلاحي أن عبّروا عن تخوفهم من أن يصبح الاستيراد سياسة دائمة، بدل أن يكون إجراءً استثنائياً، مما يضر بمربي الماشية المحليين الذين يواجهون أصلاً تحديات كبيرة، منها الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف.
في هذا الإطار، اعتبر نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، أن ما يشهده قطاع اللحوم في المغرب هو “نتيجة مباشرة لغياب رقابة صارمة على الأسواق، وتراخي الحكومة في مواجهة لوبيات المضاربة”، مضيفاً في تصريح سابق أن “المطلوب اليوم ليس فقط دعم القدرة الشرائية، بل ضبط السوق وتأمين سلاسل التوريد والبيع بشكل عادل”.
وأشار بنعبد الله إلى أن استمرار هذه الفوضى في القطاع يُفقد المواطنين الثقة في المؤسسات، مضيفاً: “لا يُعقل أن تنخفض أسعار الماشية بهذا الشكل في الضيعات، بينما تبقى أسعار اللحوم مرتفعة بشكل غير مبرر في المحلات والأسواق الكبرى. هذه فجوة يجب على الحكومة سدها بإجراءات عملية فورية”.
واختتمت النائبة لبنى الصغيري سؤالها بدعوة صريحة إلى وزارة الفلاحة من أجل التدخل الفوري ووقف هذا “الاستنزاف الممنهج”، وضمان أن ينعكس انخفاض أسعار المواشي فعلياً على أسعار اللحوم في الأسواق، حماية للقدرة الشرائية للمغاربة، واستدامةً لقطاع حيوي يواجه اليوم تحديات مصيرية.
لم تمر انتقادات فريق التقدم والاشتراكية دون صدى داخل صفوف المعارضة، إذ عبّرت عدة أحزاب عن قلقها البالغ إزاء ما وصفته بـ”فشل الحكومة في إدارة أزمة قطاع الماشية والقدرة الشرائية للمواطنين”.
في هذا السياق، قال حزب العدالة والتنمية إن اعتماد الحكومة على استيراد اللحوم كحل مؤقت “يكشف عن غياب استراتيجية واضحة لدعم الفلاحين الصغار وحماية الثروة الحيوانية الوطنية”. وأوضح الحزب، في بلاغ له، أن “الاستيراد يجب أن يكون آخر الخيارات، وليس أول رد فعل عند بروز الأزمة”، منتقداً ما سماه بـ”الاستسلام لضغوط لوبيات التوريد والتوزيع”.
من جهته، اعتبر حزب الحركة الشعبية أن الوضع يتطلب “إجراءات هيكلية وليس فقط تدخلات ظرفية”، مبرزاً أن “القرارات المرتبكة والمتأخرة للحكومة ساهمت في إرباك السوق الوطني وأضرت بالتوازن بين المربين والمستهلكين”.
أما الحزب الاشتراكي الموحد، فذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن “أزمة اللحوم تكشف هشاشة النموذج الفلاحي المعتمد، والذي يُهمّش الفلاح الصغير ويخضع لتقلبات السوق الدولية”، داعياً إلى مراجعة جذرية لسياسات الدعم والتسويق وتوزيع الأعلاف.
وأجمعت أحزاب المعارضة على أن “تجفيف منابع المضاربة” يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتفعيل دور مؤسسات الرقابة والمنافسة، بدل الاكتفاء بـ”تدابير معزولة لا تعالج جوهر الأزمة”.