أثار إعلان المفوضية الأوروبية عن قائمة محدثة للدول المصنّفة “آمنة”، جدلاً سياسياً وإعلامياً واسعاً، خاصة مع إدراج المغرب وتونس ومصر، مقابل استبعاد الجزائر، في خطوة اعتبرها مراقبون دليلاً على تزايد التباينات بين دول شمال إفريقيا على صعيد الاستقرار الداخلي والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
وبينما تؤكد المفوضية أن التصنيف الجديد يهدف إلى تنظيم طلبات اللجوء الواردة من بلدان لا تعتبرها بروكسل مهددة لحقوق وحريات مواطنيها، إلا أن المراقبين يرون أن للقرار أبعاداً سياسية واستراتيجية أعمق، تعكس رؤية أوروبية جديدة لمحيطها الجنوبي، وترسم معالم إعادة بناء الثقة والشراكات مع الدول المجاورة.
في هذا السياق، يمثل إدراج المغرب في قائمة الدول الآمنة تتويجاً لمسار طويل من التعاون مع الشركاء الأوروبيين، خصوصاً في مجالات الهجرة والتنمية والأمن. ويرى محللون أن الرباط، التي انتهجت منذ سنوات سياسة إصلاحية ومقاربة واقعية في إدارة ملف الهجرة، باتت تُعد شريكاً موثوقاً للاتحاد الأوروبي، ليس فقط كبلد عبور، بل كطرف فاعل في ضمان استقرار المنطقة.
ومن بين مؤشرات هذا التحول، تبرز المبادرات المغربية في تسوية أوضاع آلاف المهاجرين على أراضيها، وتوقيع اتفاقيات استراتيجية مع دول المنشأ والعبور، فضلاً عن الانخراط في مشاريع تنموية وأمنية مشتركة مع دول أوروبية رئيسية.
في المقابل، غابت الجزائر عن التصنيف، في قرار يعكس ـ بحسب مصادر أوروبية ـ قلقاً متزايداً من الأوضاع السياسية والحقوقية داخل البلاد، واستمرار السلطات في نهج الانغلاق الأمني وقمع الحراك الشعبي، إلى جانب غياب إصلاحات تتيح بناء مؤسسات تضمن الحريات الأساسية. ويُفهم من قرار المفوضية الأوروبية أن الجزائر تُعد حالياً دولة لا توفر الضمانات القانونية الكافية لحماية مواطنيها، وهو ما يجعل طلبات لجوء الجزائريين أكثر تعقيداً من حيث البت فيها أو البت في ترحيلهم.
ويأتي هذا القرار الأوروبي في ظل تنسيق متزايد بين الرباط وكل من باريس ومدريد، تمخض عنه توقيع اتفاقيات لترحيل المهاجرين المغاربة غير النظاميين، بمن فيهم من تقدّموا بطلبات لجوء بدعوى التعرض للاضطهاد السياسي، دون أن تتوفر في ملفاتهم الشروط القانونية المعترف بها أوروبياً.
وقد أعلنت إسبانيا، بدءاً من مطلع 2025، عن إغلاق مكاتب اللجوء أمام المواطنين المغاربة، بينما اتخذت فرنسا خطوات مماثلة، في إطار سياسة أوروبية موحدة تهدف إلى تجفيف منابع “اللجوء السياسي المزعوم”، الذي يُستغل، حسب تقارير استخباراتية، من طرف شبكات ذات خلفيات أيديولوجية أو أجهزة أجنبية.
ولاحظت الدوائر الأوروبية تزايد حالات طالبي اللجوء المغاربة، ممن يقدمون أنفسهم كـ”معارضين للنظام”، عبر محتوى مرئي يهاجم مؤسسات الدولة، بهدف كسب تعاطف سياسي أو الحصول على إقامة. وتشير تقارير استخباراتية إلى ضلوع جهات معادية، على رأسها أجهزة جزائرية، في استغلال بعض هؤلاء الأفراد، ضمن حملة تستهدف صورة المغرب في الخارج، خصوصاً من خلال بعض عناصر “حراك الريف”.
غير أن القرار الأوروبي الأخير يسقط هذه الادعاءات من الاعتبار القانوني، ويعزز مقاربة تعتبر المغرب دولة تحترم الحريات، وبالتالي لا تستوجب طلبات لجوء أبنائها نفس المعاملة التي تُمنح لمواطني دول تعاني من انتهاكات ممنهجة.
ويشير المراقبون إلى أن هذا التحول في الموقف الأوروبي ليس مجرّد إجراء إداري، بل يحمل رسالة سياسية واضحة، فحواها أن أوروبا باتت تميز بجلاء بين دول تسير في طريق الانفتاح والإصلاح، وأخرى تراوح مكانها في مناخ من العزلة الداخلية والجمود السياسي.
وبينما يواصل المغرب حصد ثمار اختياراته الداخلية والتزامه الخارجي بقضايا الأمن والهجرة، تبقى الجزائر، وفق المنظور الأوروبي الجديد، خارج دائرة الثقة، رهينة خيارات سياسية تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الاستقرار والانفتاح