في خطوة اعتبرها خبراء بمثابة مؤشر قوي على تحول جذري في العلاقات بين الرباط ولندن، جاء الموقف البريطاني الأخير الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، باعتبارها “الحل الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق لإنهاء النزاع الإقليمي”، ليشكل بارقة أمل في ضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد بين البلدين.
الخبير الاقتصادي رشيد ساري أوضح أن العلاقات المغربية البريطانية التي تمتد لأكثر من ثمانية قرون كانت دائما قائمة على تبادل المصالح، خصوصا في القطاع الزراعي، إلا أن لغة الأرقام تكشف أن حجم المبادلات التجارية ظل متواضعا ولم يتجاوز سقف المليار دولار.
لكن في ظل دعم لندن لمبادرة الحكم الذاتي، يرى ساري أن صفحة جديدة تُفتح في سجل التعاون الثنائي، خاصة في قطاع الطاقات المتجددة.
وأكد أن هذا المجال قد يشكل منعطفا مهما في مسار العلاقات، في ظل الاهتمام البريطاني المتزايد بالطاقة النظيفة، وارتباط ذلك بمشروع الربط الكهربائي الضخم بين المغرب والمملكة المتحدة، الذي يعوّل عليه لإضاءة منازل نحو 7 ملايين أسرة بريطانية.
وأشار الخبير ذاته إلى أن بريطانيا تراهن بشكل كبير على البنية التحتية المغربية في قطاع الطاقات المتجددة، خصوصا الطاقة الشمسية، في وقت تهدف فيه لندن، من خلال خطتها الطموحة “خطة الطاقة النظيفة 2030″، إلى تحقيق نظام كهربائي نظيف بنسبة 95% بحلول نهاية العقد الجاري.
أما بخصوص موقع بريطانيا في خارطة الاستثمارات الكبرى استعدادًا لتنظيم المغرب المشترك لكأس العالم 2030، فقد بدا ساري حذرًا، موضحًا أن أغلب مشاريع البنى التحتية الكبرى – من قطارات فائقة السرعة وطرق ومرافق لوجستية – تتوزع بين شركات مغربية وصينية وفرنسية، فيما تظل حصة بريطانيا في هذا المضمار محدودة إلى حد الآن.
غير أن الخبير لفت إلى أن الباب لا يزال مفتوحًا أمام الاستثمارات البريطانية في الطاقات المتجددة، مستشهدًا بتجربة الإمارات العربية المتحدة التي سلكت نفس النهج الاستثماري في المغرب، حيث ضخت ما يزيد عن 130 مليار درهم لدعم الأمن المائي وصيانة شبكة النقل الكهربائي الوطنية بحلول 2030.
وفي سياق آخر، أشار ساري إلى فرص التعاون الثنائي في مجال الصناعات العسكرية، مبرزًا أن بريطانيا استثمرت حوالي 5 ملايين جنيه إسترليني في هذا القطاع، ما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاستراتيجي.
وكان وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، قد كشف خلال ندوة صحفية جمعته بنظيره المغربي ناصر بوريطة الأحد 2 يونيو 2025، عن توقيع اتفاقيات من شأنها تعزيز استثمارات الشركات البريطانية في المغرب، مع توقعات بارتفاع حجم الصفقات في مختلف القطاعات، لاسيما في مجال الصناعة والرعاية الصحية.
وأكد لامي أن مدينة الدار البيضاء ستكون في قلب هذه المشاريع، بما يعزز أرباح الشركات المغربية ويوفر فرصًا واعدة للنمو الاقتصادي، في وقت تبدو فيه الرباط ولندن على موعد مع شراكة استراتيجية جديدة، مرشحة لتغيير ملامح التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين.