أعلنت ثلاثة مكونات برلمانية في مجلس النواب، الاثنين، عن مبادرة لتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق بشأن ما وصفته بـ«الدعم الحكومي السخي» لاستيراد المواشي وتدبير قطاع تربية المواشي بصفة عامة، في خطوة تعكس تنامي الجدل حول نجاعة هذه السياسات وشفافيتها.
المبادرة التي يقودها كل من الفريق الحركي، وفريق التقدم والاشتراكية، والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية، تسعى إلى تفعيل آلية رقابية يقرها الدستور، بهدف تسليط الضوء على حجم وكلفة الدعم المخصص لاستيراد الأغنام، لاسيما تلك الموجهة للذبح خلال عيد الأضحى لسنتي 2023 و2024، والذي تشير وثائق رسمية إلى أنه تجاوز 13 مليار درهم، شمل إعفاءات جمركية وتحمّل الدولة للضريبة على القيمة المضافة.
وفي بيان مشترك، عبّرت الفرق الثلاثة عن رغبتها في انخراط باقي مكونات المجلس، من أغلبية ومعارضة، معتبرة أن هذه المبادرة تُشكل اختباراً لمستوى التزام النواب بأدوارهم الرقابية، وتحدياً مباشراً لمدى استعدادهم لكشف معطيات قد تُثير مساءلات سياسية واسعة.
تحديات النصاب
من الناحية الدستورية، يتطلب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق موافقة ما لا يقل عن ثلث أعضاء مجلس النواب (131 نائباً من أصل 395). حيث أن المعارضة مجتمعة لا تمتلك العدد الكافي لبلوغ النصاب.
ويشترط النص الدستوري شروطاً صارمة، منها ألا يكون موضوع اللجنة محل متابعة قضائية أو محالاً على المحاكم، وهو ما يجعل توقيت المبادرة ومجالها الدقيقين أمرين حاسمين في قبولها من الناحية الشكلية والقانونية.
آلية دستورية بمفعول رقابي
تُعد لجان تقصي الحقائق، بحسب الفصل 67 من الدستور والقانون التنظيمي رقم 085.13، آلية رقابية مؤقتة يُمكن تفعيلها للتحقيق في ملفات ذات طابع حساس تتعلق بتدبير المال العام أو مؤسسات الدولة. وتُنجز اللجنة تقريراً يُعرض على مكتب مجلس النواب، ويتم نشره في الجريدة الرسمية، مع إمكانية إحالته إلى القضاء إن اقتضى الأمر.
ويرى متابعون أن هذه المبادرة تعكس تحوّلاً في الدينامية البرلمانية بالمغرب، لا سيما مع تصاعد الضغط الشعبي لمزيد من الشفافية في صرف المال العام، ووسط تساؤلات حول مدى استهداف هذه التدابير للفئات الأكثر هشاشة، أم أنها انحرفت لتخدم مصالح ضيقة تحت غطاء اجتماعي.
ومع ترقّب تفاعل الأغلبية الحكومية، تبقى الأنظار متجهة نحو البرلمان لاختبار مدى قدرته على لعب دوره الدستوري كرافعة للمساءلة والمحاسبة.