أكثر من سبعة ملايين تلميذ عادوا إلى المدرسة “باك تو سكول”، وخلفهم كم مليون أسرة تسهر على دراستهم وكسوتهم ومأكلهم وأداء واجبات التمدرس واقتناء الكتب والدفاتر والأدوات المدرسية. ينبغي أن نقر إقرارا أن المدرسة، عمومية أو خصوصية، لم تعد مكانا لتلقي العلم، ولكن تحولت إلى باحة للتنافس في الاستهلاك، مما أضر كثيرا بالقدرات المالية للأسر المغربية.
أنواع من الاستهلاك أصبحت الأسر مجبرة عليها تحت شتى أنواع الإكراه، سواء عن طريق العدوى بين التلاميذ، أو عن طريق الإلزام بمقتنيات متنوعة، أصبحت الأسر تطلق عليها “جوج من الحاجة”، خصوصا وأن كمية الدفاتر أكبر من قدرات التلميذ، وبالتالي يضيع الجزء الكبير منها، مقابل مصاريف مالية باهظة ومقابل تضرر ميزان الاستيراد لدى الدولة لأن الورق يتم جلبه من الخارج.
تقرير رسمي يقول إن تكاليف الدراسة تضاعفت ثلاث مرات منذ سنة 2019، بمعنى في وقت وجيز، وكانت الزيادة في تكلفة تمدرس التلميذ بالنسبة للأسرة كبيرة جدا، في وقت ما زالت الأجور راكدة، والتحريك الوحيد هو الزيادة “الأضحوكة” في الحد الأدنى للأجر التي لا تتعدى بضعة عشرات دراهم لا تسمن ولا تغني من جوع بل هي الجوع نفسه، في وقت ركود الأجور تتضاعف مصاريف التمدرس ثلاث مرات، ناهيك عن نار جهنم التي تعرفها الأوضاع المعيشية مع غلاء المحروقات وباقي المواد الاستهلاكية، بمعنى لقد تركت الحكومة الأسر لحال سبيلها، وكأن التعليم ليس مسؤوليتها.
وبعد عناء الأسر يبقى السؤال المحير: أي مدرسة سيعود إليها التلاميذ؟ ماذا سيدرسون وبأية مناهج؟ أية قيمة علمية لما يتلقون؟ ما هو مستوى الأطر التدريسية من حيث القدرة على إيصال المحتويات؟
تعاني المدرسة في المغرب من ضعف كبير واضطراب من حيث المناهج، إذ ما زالت حقل تجارب حيث لم تستقر على بر منذ زمن بعيد، ومن أسوإ أنواع التجارب التي تم إخضاع المدرسة لها قضية “المتعاقدين” أو “الأساتذة أطر الأكاديميات”، باعتبارها تجربة فاشلة مائة في المائة، مهما كانت التسمية والخلفية فإنها تجربة فاشلة لأنها لم تقدم نموذجا للمدرسة التي يريدها المغاربة.
تبين أن تجربة المتعاقدين لم تكن ناجحة باعتبار أن أغلب هؤلاء إن لم نقل بجملتهم لم يتلقوا تكوينا في البيداغوجا يعطيهم القدرة على توصيل المعارف، وليس كل متعلم حتى لو كان ناجحا بمستويات عليا بقدرته أن يتحول إلى معلم للتلاميذ، لأن العملية التعليمية معقدة جدا، وتحتاج فنونا في التربية وعلوم النفس والاجتماع وغيرها من المهارات، التي بواسطتها يمكن للشخص أن يكون مدرسا لأن القضية لا تقف عند حدود تلقين الدروس، ولكن كيفية التعامل مع التلاميذ.
ولهذا فإن الجيل الحالي من أسوإ الأجيال في المدرسة المغربية لأنه تم فيه تجريب كل المناهج والخلفيات “تعلموا الحجامة في رؤوس اليتامى” كما يقول المغاربة.