في الآونة الأخيرة، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب ساحة لمعركة جديدة بين الحرية الفردية والمسؤولية الاجتماعية، حيث طالت حملات المراقبة والمتابعة القانونية العديد من المؤثرين بتهم تتراوح بين السب والقذف إلى الإخلال بالحياء العام والاتجار بالبشر.
تشير القضايا التي أثارتها أسماء بارزة مثل “ولد الشينوية” وإلياس المالكي إلى تحول واضح في طريقة تعامل السلطات مع المحتوى الرقمي.
المؤثرون، بفضل متابعيهم بالملايين، باتوا يشكلون قوة رأي عام غير تقليدية. ومع ذلك، فإن هذه الشهرة قد تجعلهم عرضة للمساءلة عند تجاوز الخطوط الحمراء، سواء القانونية أو الأخلاقية.
لا شك أن الشعبية الهائلة التي يحظى بها المؤثرون تعكس دورهم في تشكيل السلوكيات والقيم المجتمعية، إلا أن المحتويات التي تحمل رسائل غير أخلاقية أو تسيء لصورة المغرب تثير القلق، ليس فقط على المستوى المحلي بل الدولي، حيث قد يُنظر إلى هذه الظواهر على أنها انعكاس لثقافة المجتمع ككل.
التحرك القانوني السريع ضد المؤثرين، كما في حالتي المالكي و”ولد الشينوية”، يعكس إرادة سياسية لمواجهة المحتويات الضارة التي تؤثر على الرأي العام.
النيابة العامة في المغرب كانت سباقة إلى فتح تحقيقات أو اتخاذ إجراءات فورية بحق صناع محتوى متورطين في نشر مقاطع تسيء للأخلاق العامة أو تمس بالحياة الخاصة.
مع ذلك، يطرح هذا التدخل سؤالاً حساساً حول التوازن بين حماية المجتمع وضمان حرية التعبير. فالمحتوى الرقمي فضاء واسع للتعبير عن الآراء، ولكن الإفراط في التقييد قد يؤدي إلى كبت الإبداع وتضييق مساحة الحريات، وهو تحدٍّ تواجهه العديد من الدول.
ما يجري في المغرب ليس معزولاً عن سياق إقليمي أوسع. دول مثل تونس ومصر طبقت سياسات صارمة ضد صناع المحتوى الذين ينشرون مقاطع مخالفة للأخلاق العامة.
لكن هذه السياسات غالباً ما تواجه انتقادات باعتبارها أدوات قمعية تخفي وراءها نوايا لتقييد الحريات الفردية.
على سبيل المثال، التجربة التونسية، التي شهدت أحكاماً قاسية وصلت إلى السجن لسنوات، أثارت جدلاً كبيراً حول معايير الأخلاق المستخدمة ومدى شفافيتها.
أما في مصر، فقضايا مثل قضية حنين حسام تُظهر أن الاتهامات قد تتعدى الجانب الأخلاقي لتلامس مسائل مثل “الاتجار بالبشر”، وهو ما يزيد من تعقيد الموقف.
يتطلب تنظيم المحتوى الرقمي نهجاً متوازناً يجمع بين الحزم في مواجهة التجاوزات وضمان حرية التعبير. يمكن أن تسهم الحلول التالية في معالجة الظاهرة بالمغرب:
تعزيز التشريعات الرقمية: يجب وضع قوانين واضحة تنظم المحتوى على الإنترنت، مع تعريف دقيق للجرائم الإلكترونية والمحتويات غير المقبولة.
التربية الرقمية: تعزيز الوعي لدى الشباب والمستخدمين حول أهمية المحتوى المسؤول وكيفية استهلاكه بشكل إيجابي.
التشجيع على الابتكار: خلق بدائل إيجابية للمحتوى الرديء عبر دعم صناع محتوى يقدمون رسائل هادفة وتعليمية.
آليات رقابة شفافة: من المهم أن تكون المتابعات القانونية واضحة وشفافة، مع ضمان محاكمة عادلة بعيداً عن أي استغلال سياسي أو اجتماعي.
بين حرية التعبير ومسؤولية المحتوى، يبقى التحدي الأكبر في كيفية تحقيق التوازن الذي يضمن احترام القيم المجتمعية دون المساس بحقوق الأفراد.
وفي ظل التحولات الرقمية المتسارعة، فإن المغرب يحتاج إلى رؤية شاملة تواكب هذا التطور، بما يضمن الحفاظ على صورة إيجابية للبلد داخلياً وخارجياً، مع فتح الباب أمام التعبير الإبداعي المسؤول.