حين رفعت لاعبات المنتخب المغربي النسوي لكرة القدم داخل القاعة كأس إفريقيا لأول مرة في التاريخ، لم يكن المشهد مجرد لحظة احتفال رياضي. بل كان مشهدًا مكتمل الرمزية، يختزل سنوات من الصمت، والهامش، والنضال الصامت لنساء قررن أن يكون لهن مكان في فضاء لا يعترف بسهولة بحقوق النساء في التألق الرياضي.
في قاعة الأمير مولاي عبد الله بالرباط، لم تكن النتيجة (3-2) على حساب تنزانيا سوى تفصيل رقمي صغير أمام الصورة الكبرى: نساء مغربيات يتألقن قارياً، ويضمنّ التأهل إلى أول نسخة لكأس العالم للعبة ستقام في الفلبين. ذلك في حد ذاته إنجاز تاريخي يضع المغرب في مقدمة الدول التي تقود التحول الرياضي النسوي في إفريقيا.
الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس لم تكن تقليدية، بل حملت نبرة واضحة من الفخر والاعتراف بالجهد. حين يشيد الملك بـ”العزم القوي” و”السبق الرياضي لسيدات المغرب”، فإنها إشارة صريحة إلى تحوّل نوعي في نظرة الدولة إلى الرياضة النسوية، التي باتت تمثل واجهة مشرقة لصورة المغرب الحديث، المنفتح، والمراهن على كفاءاته النسائية في كل المجالات.
المدرب الوطني، عادل سايح، كان واقعيًا حين تحدث عن “منتخب تنزاني شرس”، لكنّه ركز على عنصر أهم: الروح الجماعية وشخصية البطلات. فالانتصار لم يأتِ نتيجة قوة فردية أو مهارة عابرة، بل كان حصيلة لعمل جماعي، وانضباط تكتيكي، وذكاء نفسي في التعامل مع ضغط البطولة وأهمية التتويج الأول.
اللاعبة ياسمين دامراوي، التي اختيرت أفضل لاعبة في البطولة، تحدثت بنبرة تمس القلب حين قالت: “حتى في أحلك اللحظات، لم نستسلم”. جملة واحدة تكشف أن ما جرى في الملعب لم يكن فقط منافسة كروية، بل مقاومة داخلية ضد كل ما يحبط الطموح: غياب التغطية، محدودية الموارد، والتشكيك في قدرات الرياضة النسوية.
إن هذا الإنجاز لا يجب أن يُقرأ كاستثناء، بل كدعوة لإعادة صياغة علاقة المغرب بالرياضة النسوية. هل ستحصل هؤلاء البطلات على نفس الدعم الذي يحظى به نظراؤهن الذكور؟ هل ستتحول هذه البطولة إلى انطلاقة لبناء جيل جديد من اللاعبات عبر تكوين قاعدي واسع، ودوريات منتظمة، وفضاءات ملائمة؟
التتويج بكأس إفريقيا لحظة مشرقة، نعم، لكنها تحمل في طياتها مسؤولية ثقيلة. الحفاظ على هذا المستوى، والاستعداد الجاد لكأس العالم، يتطلب إرادة سياسية، ودعمًا إعلاميًا، واستثمارًا في البنيات التحتية الخاصة بكرة القدم النسوية داخل القاعة.
فالفرحة، وإن كانت عارمة، ليست نهاية المطاف… بل بداية طريق طويل، عنوانه: الاستمرارية والعدالة الرياضية.