سناء البوعزاوي
عندما نتحدث عن الموضة فإننا نتحدث عن شكل من أشكال التعبير عن الذات والاستقلالية في زمان ومكان وسياق معين ، والتي يحددها أو بمعنى آخر يتحكم في نظام هاته الموضة عنصران رئيسيان؛ هما الصناعة والإعلام.
والموضة لا تشمل فقط الأقمشة والألبسة، بل تتعداها إلى الأحذية والحلي ومساحيق التزيين والوشم… وتطال أيضا، الأثاث المنزلي، إلا أننا في مقالنا هذا سنقتصر فقط على موضة الباس وخصوصا في مجتمعنا المغربي المعاصر.
بادئ ذي بدء، مصطلح الموضة أصله فرنسي، يستعمل لتقييم أسلوب أو عادة في اللباس في فترة معينة، مادامت هاته العادة تندرج في إطار الأخلاق السائدة في المجتمع.
تسارعت وتيرة تغير الأزياء من قرن إلى آخر والتي كانت تستمد إبداعاتها من النماذج العسكرية والثقافات المختلفة، فأصبحت التنورات من طويلة جدا إلى تقصير شديد لطولها، وهيمنة موضة تضييق الملابس للنساء ابتداء من سنة 1920، ومن ذلك الحين أصبح عالم الموضة يعرف تغييرا وتسارعا في وتيرة إنتاج الملابس، وأصبحت صناعة قوية تنافس أكبر الصناعات.
في مغربنا الحبيب، كانت صناعة الأزياء عبارة عن منتج من أفكار الزبون، والتي تكون معدة وفقا لمواصفاته، حيث كانت تعد بالأيدي للأفراد، إما إنتاجا منزليا، أو عن طريق المصممين والخياطين، أو “الدرازين”، لكن مع اقتراب القرن العشرين، معظم الملابس كانت معدة وفقا لمعايير محددة ومقاييس عالمية، جرت الجميع إلى الالتحاق بقطار الموضة العالمية.
حتى نتجت موجة الموضة المغربية التي بدورها أصبحت عالمية، حيث تفنن مصممو الأزياء المغاربة في إعطاء روح جديدة للأقمشة الأوروبية، والصينية والإيطالية… بتوقيع مغربي ولمسة تقليدية، فابتعدوا بذلك عن الفكر السائد أن المغرب مقتصر فقط على القفاطين والجلاليب والجابادور، بل تميز أيضا في الآونة الأخيرة بإنتاجاته العديدة في مجال الموضة العصرية.
إلا أن هاته الموضة الجديدة غالبا ما تحدث جدلا واسعا خصوصا حينما يتعلق الأمر بالجنس النسوي، حيث أصبح بلدنا منفتحا على العالم، ومتصلا به كأنه قرية صغيرة، فأثرت هاته التطورات الحديثة ومخالطة المجتمعات الأخرى، على منهج اللباس الذي كان يتسم بحياء في الماضي ليصبح جريئا في الحاضر، من طبيعة الحال، اللباس حرية شخصية لا نقاش فيها، و كل له الحق في اختيار الثوب والقصة التي تناسب قوامه وفكره وشخصيته، إلا أنه ومهما نكن في زمان تحكمه العولمة، هناك أعراف وتقاليد وقيم لا محيد عنها بالنسبة لفئة كبيرة من المغاربة، حيث أصبح اللباس يتصنف إلى صنفين هناك اللائق بالنسبة للبعض وهناك من يصفه بغير المحتشم بالنسبة للبعض الآخر، هنا، تطرح العديد من التساؤلات التي وجدنا العديد من الأجوبة لها بعد القيام بجولة خفيفة على جدارات أهم تجمع للشباب في المواقع الاجتماعية؛ الفايسبوك، حيث إن هناك مجموعة من شابات الجامعة اللاتي يرفضن التحكم بطريقة ارتدائهن للملابس، ويضفن: “هاته حرية شخصية وحريتك تنتهي عند حرية الآخرين”، بينما هنالك شباب يعربون عن أسفهم حيال لباس بعض الطالبات ويصنفونهن “بعدم الحشمة”، وأن لكل مقام مقالا، حيث إن حرمة الجامعة أو الإدارة لا تتماشى مع طريقتهن في اللباس ولابد من توعية إعلامية وتربوية لنشر ثقافة اللباس المحتشم، إلا أن هناك فئة من الشباب يقولون إنه “لا يمكن أن يقف الإنسان وحيدا ضد تيار التطور ليحافظ على لباسه التقليدي الكلاسيكي، والذي يعرضه في بعض الأحيان إلى الانتقاد أكثر من أن يتبع الموضة!”.
وهناك بعض الشباب يعتبر أن “الموضة الحديثة تسهل التحرك بأريحية عكس اللباس التقليدي الطويل، الذي يحول دون التنقل والتكيف مع سرعة الوقت”.
كل إنسان يدلي برأيه حسب فكره وخلفيته الثقافية وتربيته ومعتقداته، إلا أنه ومن الواجب الإشارة إليه، أن كل إنسان حر في اختياراته وتصرفاته، طالما لا يؤذي بها غيره ولا يتعدى حدوده، لكن في المقابل هنالك بعض الضوابط التي يجب أن يسري مفعولها خصوصا بالنسبة للتلاميذ والطلاب في مختلف أعمارهم وابتداء من أطفال الروضة، حيث إنه يجب إلزامية فرض لباس موحد في جميع المدارس والكليات، وفي جميع ربوع المملكة، فهذا له بعد اجتماعي واقتصادي وتربوي مهم حيث إن التلميذة أو التلميذ يكون على علم مسبق بما سيرتديه قبل التوجه إلى المدرسة، ويتجنب بذلك إضاعة الوقت في اختيار ملابسه يوميا وسيرفع بذلك عن الآباء عناء الشراء المتكرر للملابس للتفاخر بها أمام أصدقاء ربما ذووهم ليست لهم القدرة على شراء لباس في نفس مستوى أصدقائهم، فيتم بذلك التركيز على الدراسة عوض التركيز على عرض الأزياء. أما خارج هذا الإطار التعليمي التربوي فكل حر في ذاته وفق الضوابط التي يفرضها المجتمع الذي نعيش فيه لكن من الواجب الإشارة إلى أمر مهم جدا، ألا و هو أن الملابس الحديثة والتقليدية لا تعكس الجوهر فلربما يكون الإنسان بلباسه التقليدي وغير ملتزم بأخلاق مجتمعه، والخلاصة أن الملابس ما هي إلا ستر للإنسان لا تعبر عن جوهره.