شدد مصطفى فارس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، على أنه “لا استثمار ولا تنمية بدون قضاء مستقل كفء منفتح متطور ،موضحا “أن الرأسمال جبان والمجتمعات المعاصرة تبقى في حاجة إلى بنيات آمنة ملائمة مطمئنة للاستثمار ، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون فرض سيادة التطبيق العادل للقانون وإعطاء بعد قوي حقيقي لمبادئ المسؤولية والمحاسبة والحكامة والتخليق ومحاربة الفساد وضمان الحقوق والحريات خاصة الاجتماعية منها والاقتصادية.
وأكد فارس خلال مؤتمر مراكش الدولي للعدالة، صباح أمس،” أن قوة القضاء ونزاهته كواقع عملي يؤثر بشكل مباشر في زيادة النمو الاقتصادي ويؤسس لفضاء آمن للاستثمار يضمن به الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي وينتج آفاق كبيرة للتنمية البشرية في أبعادها المختلفة موضحا أنها رهانات تزداد صعوبة في ظل هذا العالم الذي نعيش فيه تغيرات كبيرة في الأفكار والمفاهيم، وتطورا متسارعا في الآليات وتعقدا في العلاقات والمعاملات بين الأفراد والمؤسسات والدول، تطالبنا جميعا بكثير من النزاهة والكفاءة والجرأة والتعاون لمواجهة تأثيراتها وإيجاد إجابات واضحة عملية للتساؤلات المعقدة التي قد تعيق طموحاتنا وتضع مؤسساتنا أمام امتحان المستقبل .
واعتبر فارس، أن رعاية وعناية ملكية موصولة تجسدت في الرسالة المولوية الواضحة الرؤية والمنهج، العميقة الدلالات والخلاصات، والتي تلزمنا جميعا بالمبادرة الخلاقة والالتزام المسؤول من أجل عدالة تنتج فضاء عالميا آمنا للاستثمار، مؤكدا، انها رسالة ثقة لا نملك إزائها إلا الدعاء للعلي القدير أن يحفظ ملكنا الهمام قائدا وقدوة ودعما وسندا لكل المشاريع الإنسانية العادلة عبر العالم.
وأوضح فارس، أن عالم الاستثمار يعتمد في كثير من أسسه على عنصر الزمن ولغة الأرقام والمعطيات الإحصائية والمؤشرات التي تقيس قيمة العمل وجودته وآجاله وآثاره.
كاشفا، أنه كان لزاما علينا كسلطة قضائية التركيز على تحسين هذه المؤشرات وذلك بتكريس جهود كبرى من أجل الحق في المحاكمة العادلة داخل آجال معقولة ، حيث بلغنا في السنوات الأخيرة على مستوى محكمة النقض مثلا معدلات جد مشرفة تضعنا بدون مبالغة في مصاف المحاكم العليا العريقة عبر العالم رغم كل الاكراهات والصعاب.
واعتبر فارس، انه في عدالة اليوم لم يعد مجال لإهدار الزمن القضائي، لا بد أن ينكب جميع المتدخلين بكل حزم وانضباط من أجل وضع حلول جديدة مبتكرة واقعية من أجل مزيد من تقليص آجال البت وتنويع وتجويد الخدمات الالكترونية وصولا إلى المحاكم الرقمية الذكية الآمنة التي تكرس الثقة وتشجع على الاستثمار.
وأوضح فارس، أن الانتظارات الكبرى من خلال الاستثمار تتطلب منا تجديدا عميقا في طرق التفكير وإجراء قطيعة حقيقية مع الممارسات التي تهدر الزمن والأمن والفرص التنموية وتعيق مبادرات الإصلاح وتكبل روح الإبداع .
وأفاد فارس، أن التجارب الإنسانية العالمية اتبثت أنه مهما كانت النصوص القانونية ملائمة فإنها تبقى دائما قاصرة عن إيجاد الحلول لكل النوازل والقضايا المستجدة، ويبقى الملاذ إذا هو السلطة القضائية لتدبير هاته الأوضاع والاجتهاد الخلاق من أجل إيجاد حلول لها، وهي بالتأكيد أمانة ومسؤولية شاقة مضنية نرى ملامحها الإيجابية واضحة في العديد من توجهات محكمة النقض باعتبارها على رأس الهرم القضائي المغربي، حيث عمل قضاتها الأماجد على ضمان مناخ آمن للاستثمار من خلال العديد من القرارات التي كرست مبادئ هامة تجسد حرص القضاء على إيجاد التوازن بين حقوق جميع مكونات الشركات والمقاولات ومد الحماية اللازمة لمستهلكي المنتوجات والخدمات خاصة في مجال المعاملات البنكية والتأمينية والضريبية حيث سهروا على تكريس عدالة اقتصادية وضريبية لمواجهة الشروط والمساطر التعسفية.
واعتبر المسؤول القضائى، ان القضاء المغربي واكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والتكنولوجية الدولية وأثرها على الاستثمار وعلى سوق الشغل من خلال إقرار سمو الاتفاقيات الدولية وتفعيل مضامينها وكذا التفاعل الايجابي مع وسائل الإثبات الالكترونية بإعطائها القوة والحجية الثبوتية في المنازعات وحمايته للمتضررين من الأخطاء الناتجة عن المعاملات البنكية الدولية واعتماده مقاربة حمائية فعالة في القضايا المتعلقة ببراءة الاختراع وحقوق المؤلف .
واوضح، أن قضاتنا عملوا على تكريس مقاربة اقتصادية ذات أبعاد اجتماعية تضمن الاستقرار داخل المؤسسات الشغلية بإقرار التوازن الموضوعي بين حقوق الأجراء وأرباب العمل دون أي تعسف أو حيف، واعتمادهم منهجا متوازنا بين حقوق الأجراء الأجانب ومتطلبات سوق العمل الوطنية وتكريسهم لمبدأ المساواة وحظر كل أشكال التمييز بين العمال الوطنيين والأجانب ، أن تخليق المعاملات الاستثمارية كان معطى حاضرا لدى قضاتنا حيث عملوا على وضع ضوابط للمنافسة التجارية الشريفة وواجهوا بصرامة مسيري الشركات الذين يزجون بالمقاولات في مساطر صعوبات المقاولات وكذا حالات التلاعب التي تتم في المعاملات المنصبة على الأسهم في البورصة وقضايا غسل الأموال والجرائم الالكترونية ، كما استطاعت محاكم المملكة وعلى رأسها محكمة النقض أن تكون مساندا فاعلا لمؤسسة التحكيم، من خلال إعمالها لأهم المبادئ القانونية المتعارف عليها دوليا، بل وبتت في قضايا التحكيم الدولي في فترة لم يكن يعرف فيها القانون المغربي تنظيما تشريعيا لهذا النوع من التحكيم .
وشدد الرئيس الأول لمحكمة النقض، أن خلق فضاء آمن للاستثمار بمضامينه الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والإدارية والهيكلية وتهيء الأجواء المناسبة له حسب المعايير المتوافق عليها عالميا يفرض علينا اليوم دعم استقلال السلطة القضائية وتأهيل عناصرها وتطوير الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها بإرساء مقومات المحكمة الرقمية وتحديث خدماتها وتيسير انفتاحها على محيطها والرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم ومؤهلاتها وتطالبنا باهتمام أكبر بالعنصر البشري من مسؤولين قضائيين وقضاة الذين يحتاجون إلى الكثير من الدعم والتشجيع مع العناية بأطر وموظفي كتابة الضبط العمود الفقري للعدالة وللسلطة القضائية الذين نؤكد لهم مدى تقديرنا لكل ما يبذلونه من تضحيات، والكل من خلال مقاربة شمولية مندمجة تتعامل مع قضايا الاستثمار في مختلف جوانبها المرتبطة بالقوانين التجارية والضريبية والجمركية والبنكية والاجتماعية والعقارية والتوثيقية وتستحضر الأبعاد الدولية والتكنولوجية التي تفرضها عولمة التبادل التجاري والمالي والاقتصادي عبر القارات .