عندما تصبح المعارضة برلمانية فقط فأعلم أن الأحزاب السياسية فقدت دورها التأطيري، ولم تعد هي الحاضنة للمجتمع ومطالبه، وتركت اليوم الشعب يواجه مصيره مع حكومة متغولة، حكومة “تجمع المصالح الكبرى”، والمعارضة منشغلة عنا بتهييء أوراق ردودها على مشروع قانون المالية، الذي نعرف أنه سوف يمر في البرلمان باعتبار أن الحكومة تتوفر على أغلبيتين مريحتين في مجلسي النواب والمستشارين، كما أنها تحتفظ بحق فيتو في النهاية لتمرير قانون المالية، لأنه مسموح لها بذلك في إطار استمرار تدفق المال من أجل تسيير المرفق العمومي.
وفي النهاية ستصعد المعارضة منبر المجلسين لتجلد الحكومة، التي أصبح جلدها من حديد، أو أنها تعرف أن سياط المعارضة من حرير وليس صلبة كما ينبغي، وتعرف الحكومة أن الحزب الذي يضم أكبر عدد من النواب من فرق المعارضة لم يكن بتاتا يرغب فيها، وإنما كان يرى نفسه في التحالف الحكومي، بمبرر مواكبة مشاريع النموذج التنموي، بمعنى أنه طُرد إلى المعارضة، ومجرد تشبثه بالحكومة إلى آخر لحظة دليل ضعف أمام حكومة لا تقيم اعتبارا لأحد.
حكومة مبنية على مبدأ “اللي ما مبربيش نعاودوا ليه الترابي” على حد قول “الزعيم الملياردير”، شرعت في تربية المغاربة عبر زيادات فظيعة في المواد الاستهلاكية، ومنها مواد يعتبر رئيس الحكومة أحد “تجارها” مثل المحروقات، وسيقول المدافعون عنه ب”الطعريجة والبندير” هو لم يعد مسؤولا في الهولدينغ، وسنقول لهم “راه حنا عارفينها” لكن بالليل يجتمع عنده الكل ويدير كل الخيوط، خيوط الحكومة والتجارة.
حتى لو كان “جواز التلقيح” ضروري من أجل تحقيق المناعة الجماعية، فإن فرضه في هذا الوقت بالذات جعل منه مجرد أداة للإلهاء قصد تمرير الزيادات، ناهيك عن تمرير حزمة الضرائب “القاتلة” التي جاءت بها الحكومة، لأنه كان بالإمكان القيام بذلك عندما كانت الحالات تقترب من 10 آلاف إصابة يوميا، او تأخيره بشهر، لكن هذا وقت ينبغي أن يلهو فيه المجتمع بنقاش جواز التلقيح، وعلاقته بالحرية وغيرها، وتنشغل فيه “المعارضة اليسارية” بكسر الراء، بذاتها غير الملقحة وكيف سيتسنى لها دخول البرلمان، أما أن يرتفع سعر الزيت والسميد والمحروقات فهذا شأن الفقراء لا المناضلين الأغنياء.
لم يكن دور المعارضة في يوم من الأيام مقتصرا على البرلمان، كما لم يكن دور الأغلبية في كل زمان هو الدفاع عن الحكومة في البرلمان، لأن المواطن يحتاج إلى سياسيين يقومون بدور التثقيف والتأطير، لا سياسيين يتفكرون وجوده كل خمس سنوات عندما يحل موعد الانتخابات.
المعارضة اليوم شتات لا لون له ولا طعم. وفي المعارضة البرلمانية قصص ومستملحات. مطرود إلى المعارضة يقول لك هي خيارنا التاريخي، أي الاتحاد. حزب كان في الحكومة دهرا فاق اليوم ليقول لك نحن مارسنا المعارضة بمواجهة الحزب الوحيد سنة 1958. حتما كلما تغيرت الزعامات تغيرت الأحزاب لكن الحشود التي تلتقي على خيارات معينة لا تتغير.
للحكومة بأغلبيتها وللمعارضة: مطالب الشعب ليست كبيرة وهو ساكت اليوم لكن لا تستهينوا به.