من الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها حكومة عبد الإله بنكيران تم حكومة سعد الدين العثماني، هو أنها قامت بتحرير أسعار المحروقات دون أن تلجأ إلى مبدأ التسقيف، المعمول به دوليا وحتى في البلدان الرأسمالية الكبرى، لأن هذا القطاع يستحيل ربطه بالسوق لوحدها وبمعيار العرض والطلب، وهو من القطاعات الاستراتيجية، التي تحتفظ الحكومة بحق جر “اللجام” كلما “حرن” حصان الأثمنة، لأن تجار المحروقات همهم الوحيد ليس تأمين المادة الأكثر استهلاكا وبثمن مناسب، ولكن همهم هو كم سيربحون.
قد يكون من حق التاجر أن يربح مادامت السوق مفتوحة، لأن المنطق يقول إن هناك رأسمالا وهناك رأسمال وطني، الأول لايهمه غير الربح والثاني يهمه الربح وتنمية البلاد، لكن العيب يقع على الحكومة التي تركت الحبل على الغارب واستقالت من وظيفتها في وجه التجار، وهذا ما كان، لكن اليوم قال لهم التجار “انزلوا سنقود الحكومة بأنفسنا”.
حكومة انهزمت أمام التجار ولم تستطع أن تواجههم ولم تتمكن خلال سنوات، ومنذ عهد الوزير لحسن الداودي، أن تقترب من موضوع التسقيف، فكيف بحكومة يقودها أكبر تاجر للمحروقات بالمغرب وله تشبيكات واسعة داخليا وخارجيا؟ هل يمكن الحديث عن التسقيف في ظل حكومة “امبراطور المحروقات”؟
الآن نحن أمام تعارض واضح بين مطلب تسقيف الأسعار وبين الحكومة؟ فمن يُفترض فيه الرابح الأول من تحرير أسعار المحروقات هو اليوم من تقع عليه مسؤولية تسقيف أسعارها؟ دعنا من حديث من لا خبرة له بالتدليس حيث يتكلم عن انسحاب أخنوش من الهولدينغ العائلي، فكأنه تخلى عن أمواله وعن أرباحه وعن تجارته كي يقود الحكومة. فالواقع أن أخنوش هو صاحب الهولدينغ وهو مديره ومدبره، والانسحاب شكلي.
الحقيقة هي أن أخنوش هو ” امبراطور المحروقات ” باعتباره أكبر تاجر للمحروقات في المغرب وباعتباره أكبر مستمثر في القطاع بكل أصنافه، وأخنوش هو رئيس الحكومة، الذي يترأس المجلس الإداري لصندوق المنافسة بمعنى أنه مسؤول عنه، ومن تم نحاول أن نتصور كيف سيكون التاجر الأول قادرا على إرغام رئيس الحكومة على التسقيف، ورئيس الحكومة هو نفسه التاجر الأول؟
إننا أمام تعارض كبير لا نملك معه أن نحل هذه المعادلة الصعبة، فالحكومة هي القادرة على تسقيف أسعار المحروقات، ورئيس الحكومة هو التاجر الأول للمحروقات، فكيف سيتم حل هذه المعادلة التي لا نظير لها في تاريخ المغرب؟ إذا كانت الحكومة السابقة لم تتمكن من التسقيف فكيف إذا كان رئيس الحكومة هو المُسقف نفسه؟ وبالتالي ليس سهلا حل هذه المعادلة لأن معاملاتها متداخلة، ويبقى الحل الوحيد هو القرار السيادي حماية للأمن الاجتماعي وللدولة الاجتماعية الراعية للمواطنين كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم ومتوسطي حالهم، ضمانا لاستمرار الاستقرار وتأمينا للبلاد من الفوضى الاجتماعية التي لا تهم رجل الأعمال حتى تمس معمله.