كشف بنك المغرب في أحدث تقاريره الصادرة شهر يونيو 2025، في ظل أجواء من الترقب الاقتصادي الحذر ، عن مؤشرات إيجابية تعكس متانة النظام البنكي المغربي وتنامي ثقة الفاعلين الاقتصاديين، خاصة الأسر والمقاولات، في المؤسسات المالية. التقرير الذي يحمل عنوان “القروض والودائع البنكية”، يكشف عن ارتفاع ملحوظ في حجم الودائع لدى البنوك الوطنية، يقابله تطور متوازن في منح القروض، ما يسلط الضوء على دينامية نقدية متوازنة تشهدها البلاد في الأشهر الأولى من السنة الجارية.
و بحسب تقرير بنك المغرب، بلغ إجمالي الودائع البنكية حوالي 1.250,2 مليار درهم عند متم أبريل 2025، محققًا نموًا سنويًا بنسبة 7 في المئة. وتشكل ودائع الأسر النصيب الأكبر من هذا الإجمالي، إذ ارتفعت بنسبة 6,5 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 929,6 مليار درهم، في دلالة واضحة على تنامي سلوك الادخار لدى المواطنين و الأمر اللافت أن جزءًا مهمًا من هذه الودائع – نحو 210,9 مليار درهم – يأتي من طرف المغاربة المقيمين بالخارج، وهو ما يعكس ارتباط هذه الفئة بوطنها الأم وثقتها في المنظومة البنكية الوطنية، بالرغم من الأزمات الدولية والتقلبات الجيوسياسية التي تشهدها مناطق الاستقرار الاقتصادي لأفراد الجالية.
و سجلت ودائع المقاولات غير المالية الخاصة نموًا استثنائيًا بنسبة 11,4 في المئة، لتبلغ 220,6 مليار درهم. ويعكس هذا الرقم تحسنًا ملحوظًا في الوضعية المالية لهذه المقاولات، كما يشير إلى أن الفاعلين الاقتصاديين أصبحوا أكثر ميلاً للاحتفاظ بالسيولة لدى البنوك عوض المجازفة في الاستثمارات قصيرة الأمد، خاصة في ظل تقلبات الأسواق العالمية وارتفاع كلفة التمويل.
من جهة أخرى، رصد التقرير تراجعًا في معدلات الفائدة على الودائع لأجل خلال شهر أبريل، وهو ما يعكس إلى حد كبير سياسة نقدية حذرة يتبعها بنك المغرب من أجل تحقيق توازن بين تحفيز الادخار وتشجيع الاستثمار وقد تراجعت معدلات الفائدة على الودائع لأجل 12 شهرا بـ14 نقطة أساس لتستقر عند 2,73 في المئة، بينما انخفضت الفائدة على الودائع لأجل 6 أشهر بـ6 نقط أساس إلى 2,72 في المئة. كما تم تحديد الحد الأدنى للفائدة على حسابات الادخار عند 2,21 في المئة للنصف الأول من سنة 2025، مقابل 2,48 في المئة في النصف السابق، بانخفاض بلغ 27 نقطة أساس أما على مستوى الإقراض، فقد بلغ المبلغ الجاري للقروض البنكية 1.157,3 مليار درهم، محققًا نموًا سنويًا قدره 5,4 في المئة. ويعكس هذا الرقم قدرة الجهاز البنكي على مواصلة تمويل الاقتصاد في ظل ظرفية دولية متقلبة.
و سجلت القروض الموجهة للمقاولات غير المالية نموًا بـ2,3 في المئة، مدفوعة بارتفاع قوي لقروض التجهيز التي نمت بنسبة 9,6 في المئة، إلى جانب قروض الإنعاش العقاري التي سجلت بدورها زيادة بنسبة 7,3 في المئة. وعلى النقيض، انخفضت تسهيلات الخزينة بنسبة 2 في المئة، وهو ما يعكس تحسن التدبير المالي الداخلي للمقاولات وتقليصها للاعتماد على التمويل قصير الأجل.
وفي ما يتعلق بالأسر، ارتفعت القروض السكنية بنسبة 2,5 في المئة، بينما نمت قروض الاستهلاك بنسبة 2,7 في المئة، ما يعكس مرونة في الطلب الداخلي وتفاؤلًا نسبيًا لدى المواطنين بشأن مستقبلهم المالي.
و تجدر الإشارة إلى أن التمويل التشاركي، وخصوصًا صيغ المرابحة العقارية، واصل نموه بشكل مطرد، حيث بلغ 26,2 مليار درهم بنهاية أبريل 2025، مقابل 22,5 مليار درهم قبل سنة و ينتظر الفاعلون الاقتصاديون باهتمام بالغ الاجتماع المقبل لمجلس بنك المغرب، المقرر عقده في 24 يونيو الجاري. ومن المرتقب أن يناقش الاجتماع التوجهات النقدية القادمة في ضوء المستجدات الوطنية والدولية، خصوصًا فيما يتعلق بتوقعات التضخم، وسلوك أسعار الفائدة، وتوجهات البنوك في تمويل الاقتصاد.
و تترسخ الأرقام والمعطيات التي كشف عنها بنك المغرب لا تعكس فقط دينامية نقدية إيجابية، بل تشير كذلك إلى استمرار بناء الثقة في المنظومة المالية الوطنية من طرف الأسر والمقاولات على حد سواء. ورغم تحديات السياق الاقتصادي العالمي، يبدو أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق توازن مالي ونقدي يُمكّنه من مواجهة الصدمات المحتملة بثقة ومناعة أقوى.