أحداث كبيرة تتواصل لفائدة المغرب، وهي خلاصة جهود الديبلوماسية الملكية، التي من خصائصها “الصمود وسط الإعصار”. فثمار الديبلوماسية لا تأتي مسرعة ولكن تحتاج إلى الصمود وسط تقلبات الجغرافية السياسية، ولكن بالنتيجة يمكن أن تجني أينعها وأجودها.
وزير خارجية إسبانيا يزور المغرب تمهيدا لاستئناف علاقات متميزة بعد مرحلة قطيعة، وبعد لحظات توتر. وقبل هذه الزيارة أجرى جلالة الملك محمد السادس محادثة هاتفية مع رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، وذلك بعد فترة قصيرة من الرسالة التي تلقاها جلالته من المسؤول الإسباني، التي أوضح فيها أن الحكومة الإسبانية قررت دعم مخطط الحكم الذاتي، وترى أنه بعد 46 سنة من الصراع المفتعل حول الصحراء المغربية أنها لن تبقى بعيدة عن مسار حل المشكل، وهذه الرسالة تنسجم وروح خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس في ذكرى ثورة الملك والشعب، وتستجيب لنداء جلالته بـ”تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين“.
لكن بخطى الواثق من مسيرته قال جلالة الملك في الخطاب المذكور إن مؤامرات أعداء وحدتنا الترابية، لا تزيد المغاربة إلا إيمانا وإصرارا، على مواصلة الدفاع عن وطنهم ومصالحه العليا. وأكد جلالته على أن هناك من يقول إن المغرب يتعرض لهذه الهجمات، بسبب تغيير توجهه السياسي والاستراتيجي، وطريقة تعامله مع بعض القضايا الدبلوماسية، في نفس الوقت، لكن هذا غير صحيح، فالمغرب تغير فعلا، ولكن ليس كما يريدون، لأنه لا يقبل أن يتم المس بمصالحه العليا. وفي نفس الوقت، يحرص على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة، خاصة مع دول الجوار.
فالعلاقات المغربية الإسبانية مرت من أزمة كبيرة، لكن كان هناك حراك للديبلوماسية الملكية وكان هناك اشتغال مع الطرف الإسباني، لكن بكامل الهدوء والوضوح والمسؤولية، وحينها أوضح جلالته أن الغرض ليس هو الخروج من الأزمة مع إسبانيا، ولكن وضع محددات جديدة لهذه العلاقة، وتدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات.
وترى المواقف الدولية الداعمة لجهود المغرب في إيجاد حل للأزمة، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية اعترفت في وقت سابق بمغربية الصحراء، معلنة عن دعم مخطط الحكم الذاتي، وهو ما أكدته وزارة الخارجية الأمريكية في بيانها الصادر خلال زيارة أنتوني بلينكن للمغرب في الأيام الأخيرة حيث أكدت على جدية الحكم الذاتي.
وأثمرت الجهود الديبلوماسية لجلالة الملك افتتاح أكثر من 20 قنصلية بالأقاليم الجنوبية وأساسا بالعيون والداخلة وآخرها تمثيلية قنصلية لست دول من بحر الكراييب، وجاءت هذه القنصليات اعترافا بالثقة التي يحظى بها جلالة الملك قاريا ودوليا ودور المغرب في إقرار السلم العالمي وحماية الأمن الدولي.
وجسد افتتاح القنصليات الإقرار بصواب الطرح المغربي وإيمان عشرات الدول بـأن المغرب جاد في طرحه وفي سعيه الحثيث قصد إيجاد حل مناسب للصراع المفتعل في الصحراء المغربية.
ولا تقف الجهود الديبلوماسية لجلالة الملك عند حد، فبعد الأزمة مع ألمانيا، التي تم خلالها سحب سفيرة المغرب من ألمانيا، احتجاجا على بعض السلوكات غير اللائقة، غير أن ما نتج بعد ذلك كان مهما بالنسبة للمغرب، حيث أعلنت برلين قرارها دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
وشكلت هذه النتائج ضربة قوية للنظام الجزائري، الذي صرف الملايير كأي مقامر في قضية ليست قضيته، لكنه بفضل الصبر الاستراتيجي للمغرب بدأ في الاختناق دوليا.