في مشهد لا يخلو من الرمزية، وتحت سماء قاعدة الرباط-سلا الجوية، أعلن المغرب رسميًا في الخامس من مارس 2025 عن انضمام ثمانية مروحيات هجومية من طراز AH-64E Apache إلى ترسانة القوات الجوية الملكية.
صفقة وُصفت بكونها نقلة نوعية في تاريخ سلاح الجو المغربي، ورسالة واضحة بأن المملكة ماضية بثبات نحو ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية موثوقة، لا تساوم على أمنها، ولا تستهين بتقلبات المشهد الجيوسياسي.
لماذا الأباتشي؟
بعيدًا عن كونها مجرد طائرة هجومية، تُعتبر “AH-64E Apache” تجسيدًا لتجربة قتالية تراكمت منذ ثمانينيات القرن الماضي، حين أثبت هذا الطراز نجاعته في ساحات معارك متعددة، من الخليج إلى أفغانستان. اختيار المغرب لهذا الطراز لم يكن قرارًا عشوائيًا، بل نتيجة حسابات دقيقة: قدرة تدميرية عالية، مرونة في المناورة، نظام متكامل للدفاع الذاتي، وقدرة على الاندماج ضمن منظومة دفاع جوي متقدمة.
النسخة التي اقتناها المغرب، AH-64E، تُعد الأحدث في عائلة الأباتشي، وهي مصممة للتعامل مع التهديدات البرية الثقيلة، خاصة المدرعات والدبابات، كما تتمتع بقدرة استثنائية على تقديم الدعم الناري للقوات البرية في البيئات المعقدة، سواء في الصحراء أو الجبال.
ما وراء الصفقة: تحالفات وخيارات استراتيجية
هذه الخطوة لا تُقرأ فقط من زاوية تسليحية، بل تحمل أبعادًا دبلوماسية واستراتيجية عميقة.
فهي تؤكد على متانة الشراكة الأمنية بين الرباط وواشنطن، كما تُبرز الثقة المتبادلة بين البلدين، خصوصًا في الملفات المتعلقة بالأمن الإقليمي ومحاربة التهديدات غير التقليدية.
تزامن الصفقة مع التوترات التي يعرفها المحيط الإقليمي، يعكس حرص المغرب على تعزيز جاهزيته، ومواكبة التحديثات العسكرية التي تفرضها طبيعة التحديات الجديدة: الإرهاب، التهريب، الهجمات غير المتماثلة، والتهديدات الجوية المتطورة.
تكنولوجيا من الجيل الجديد
لا مجال للمبالغة حين يُقال إن الأباتشي AH-64E أشبه بحاسوب طائر. فهي مزودة بأنظمة رؤية ليلية حرارية، ورادارات قادرة على تتبع العشرات من الأهداف في آن واحد، وتحديد أولويات الضرب، ناهيك عن أنظمة تشويش إلكتروني ودروع واقية مضادة للرصاص والصواريخ الخفيفة.
بمحركيها القويين من طراز General Electric T700، تمنح الطائرة طاقمها قدرة على المناورة في أكثر الظروف الجوية قساوة، وسرعة تدخل ميداني عالية تجعلها ذراعًا ضاربة يمكن الاعتماد عليها في الميدان.
في الختام: المغرب يراهن على التفوق لا التوازن فقط
بينما تكتفي بعض الدول بسباق التوازنات الإقليمية، يبدو أن المغرب اختار طريقًا آخر: طريق التفوق النوعي، المبني على الكفاءة، التكنولوجيا، والتحالفات الذكية.
ومع دخول الأباتشي إلى الخدمة، فإن سلاح الجو المغربي يخطو خطوة أخرى نحو عصر جديد من الجاهزية والردع، يجعل من سماء المملكة منطقة آمنة تحت حراسة عيون إلكترونية حادة وأجنحة فولاذية لا تغفل.