تلعب الموانئ دوراً محورياً في تعزيز الاقتصاد الوطني والدولي، فهي تشكل شرايين حيوية تربط الدول بالأسواق العالمية وتدعم حركة التجارة الدولية.
في المغرب، وبفضل القيادة الرشيدة لجلالة الملك تعتبر الموانئ أحد أعمدة الاقتصاد الأساسية، حيث تسهم في تنشيط الصادرات والواردات، وتدعم القطاعات الصناعية والزراعية واللوجستية، ومع التوسع المستمر في البنية التحتية البحرية، يسعى المغرب إلى تعزيز مكانته كمركز إقليمي وعالمي للتجارة والنقل، مما يفتح آفاقاً واسعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وضمن سياق عالمي يتسم بالعولمة والاعتماد المتزايد على سلاسل الإمداد الدولية، تصبح الموانئ محركاً رئيسياً للتنافسية الاقتصادية ولتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول والمناطق.
وخلال ربع قرن من تربع جلالة الملك على عرش المملكة، شهد المغرب تطوراً كبيراً في قطاع الموانئ، حيث تم تدشين مجموعة من الموانئ الجديدة وتطوير المرافق القائمة بهدف تعزيز البنية التحتية البحرية وتعزيز مكانة المغرب كمركز لوجستي وتجاري إقليمي ودولي، من بين هذه الموانئ الجديدة يأتي ميناء طنجة المتوسط، وميناء الناظور غرب المتوسط، وميناء الداخلة الأطلسي.
ومع مرور 25 سنة على جلوس جلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش المملكة المغربية، يجمع الخبراء والاقتصاديون على أن هذه الفترة شهدت تحولات مهمة في قطاعات متعددة، على رأسها الصناعة والسياحة والبنيات التحتية.
25 سنة من حكم جلالة الملك تغير وجه المغرب على مستوى البنيات التحتية وشهد تطورا مذهلا في تشييد الموانئ والطرق والمطارات والاستثمار في الطاقات المتجددة وتشييد المستشفيات من الجيل الجديد، ودعم بنية الاقتصاد الوطني ليصبح المغرب من بين الدول الرائدة في المنطقة.
ميناء طنجة المتوسط.. أقوى موانئ العالم
“ها نحن نقدم اليوم بعون الله وتوفيقه على إعطاء الانطلاقة المشروع من أضخم المشاريع الاقتصادية في تاريخ بلادنا، إنه الميناء الجديد لطنجة – المتوسط الذي نعتبره حجر الزاوية المركب ضخم مينائي ولوجيستي صناعي وتجاري وسياحي”، هذا ما جاء في خطاب جلالة الملك في فبراير 2003، لإعلان انطلاقة المشروع الذي سيغير وجه المملكة على صعيد المشهد العالمي.
هذا ويعد ميناء طنجة المتوسط الممتد على مساحة مليون متر مربع وبتكلفة إجمالية تقدر بثلاثة مليارات دولار، بدون شك، أحد أهم المشاريع التي طبعت عهد جلالة الملك محمد السادس.
ويضم المركب المينائي ميناء طنجة المتوسط الأول الذي يحتوي على محطتين للحاويات ومحطة للسكك الحديدية ومحطة المحروقات ومحطة للسلع المتنوعة ومحطة للسيارات، ثم ميناء طنجة المتوسط للركاب والشاحنات، الذي يتوفر على الأرصفة المخصصة لركوب المسافرين وصعود شاحنات النقل الدولي ونقاط التنظيم ومحطة الركاب، إلى جانب ميناء طنجة المتوسط الثاني، الذي يحتوي على محطتين للحاويات، وكذا مركز طنجة المتوسط للأعمال.
والمركب المينائي هو أيضا منصة إقليمية للتنافسية الصناعية، حيث تمتد المناطق الصناعية التابعة له على مساحة 16 مليون متر مربع وتعد منصة إقليمية للتنافسية الصناعية واللوجستيات والخدمات والتجارة، وتضم هذه المنصة كلا من المنطقة الحرة طنجة، وطنجة أوطوموتيف سيتي، وتطوان بارك، وتطوان شور، ومنطقة التجارة الحرة للخدمات اللوجستية، ومنطقة رونو – طنجة المتوسط.
ميناء طنجة المتوسط يُعد أيضا واحداً من أكبر الموانئ في إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وقد تم تدشينه لتعزيز قدرات المغرب في مجال النقل البحري والخدمات اللوجستية، ويربط هذا الميناء المغرب بأكثر من 170 ميناءً حول العالم، ويتميز بموقعه الاستراتيجي على مضيق جبل طارق، مما يجعله محوراً مهماً لحركة التجارة العالمية.
وفي هذا الصدد، دخل ميناء طنجة المتوسط المغربي، إلى قائمة أكبر الموانئ في العالم في سعة معالجة الحاويات، حيث احتل المرتبة 19 في التصنيف العالمي لشركة “Alphaliner” لسنة 2023، بعدما نجح في القفز في الترتيب بـ 3 مراتب، حيث كان ترتيبه في هذا التصنيف العالمي لسنة 2022 هو 22.
ووفق احصائيات شركة “ألفا لاينر” المتخصصة في التحليل البحري وجمع المعطيات المتعلقة بشحن الحاويات في الموانئ العالمية، فإن نمو أداء ميناء طنجة المتوسط في معالجة الحاويات، ارتفع بنسبة 13,4 بالمائة في سنة 2023، مقارنة بسنة 2022.
وبلغة الأرقام، حسب الشركة العالمية المذكورة، فإن عدد الحاويات التي عالجها ميناء طنجة المتوسط ارتفعت بـ مليون و17 ألف و600 في سنة 2023 مقارنة بالسنة التي سبقتها، أي من 7 ملايين و596 ألف و800 حاوية في 2022، إلى 8 ملايين و614 ألف و400 حاوية في 2023، الأمر الذي جعل ميناء طنجة المتوسط يدخل قائمة الموانئ العشرون الأكبر في العالم في معالجة الحاويات.
ميناء الناظور.. طموح المغرب البحري
تسهم هذه المشاريع المينائية في تعزيز القدرة التنافسية للمغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما تفتح آفاقاً جديدة للتجارة والصناعة والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى ذلك، تسهم هذه الموانئ في خلق فرص عمل جديدة وتعزيز التنمية المحلية، مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني.
ويهدف الخيار الاستراتيجي لجلالة الملك بتطوير الموانئ إلى تحقيق التنمية المستدامة، من خلال تعزيز البنية التحتية البحرية ودعم التجارة الدولية وحماية البيئة البحرية، إن هذه المشاريع تعكس رؤية المملكة المستقبلية لتحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي متوازن، وتعزز من موقع المغرب كمركز لوجستي وتجاري هام في المنطقة.وعلاقة بالموضوع، أعاد الاتفاق بين المغرب ودولة الإمارات والقاضي بإرساء تعاون استثماري ضخم في قطاع الموانئ، النقاش حول الأهمية الاستراتيجية للموانئ في اقتصاديات الدول.
ومباشرة بعد توقيع مذكرة التفاهم بين المغرب والإمارات، تعالت الأصوات والردود الإقليمية والدولية حول هذا الحدث التاريخي الهام، الموقع من طرف جلالة الملك والرئيس الإماراتي، بالقصر الرئاسي “قصر الوطن” بأبوظبي.
ويمثل ميناء الناظور غرب المتوسط، علامة فارقة جديدة في طموح المغرب البحري، الذي يروم زيادة تحسين الربط البحري للمملكة والمساهمة في تنمية المنطقة الشرقية والنهوض بها.
وعن الأهمية الاستراتيجية للميناء، قال المحلل الاقتصادي رشيد ساري لصحيفة النهار المغربية، إن الميناء لديه انعكاسات ايجابية على المستوى الداخلي والخارجي.
وعلى المستوى الداخلي يضيف المتحدث، أن الميناء سيساهم في تقوية النسيج الاقتصادي للجهة، من خلال انشاء مجموعة من المناطق الصناعية الجديدة، إلى جانب إنشاء منطقة حرة.
وشدد الخبير الاقتصادي أن الميناء سيمنح فرصة لتوفير وضمان الأمن الطاقي للمغاربة، حيث يضم المركب المينائي الناظور غرب المتوسط محطة للمحروقات، مع 3 مراكز للمواد البترولية بعمق 20 مترا، ومحطة خاصة بالفحم، برصيف يصل طوله إلى 360 مترا وبعمق يصل إلى 20 مترا.
وسيمنح الميناء للمغرب فرصة قوية للبروز على المستوى الإقليمي والدولي، وسيكون لاعبا أساسيا على طاولة الممرات البحرية في العالم.
وفي هذا السياق، أكد رشيد ساري، أن الميناء سيفتح الطريق أمام المغرب للسوق الخليجية والإفريقية، من خلال تقوية المعاملات وبلورة علاقات استثمارية كبرى مع مجلس التعاون الخليجي.
ولفت المتحدث إلى أن الميناء سيقوي مكانة المملكة المغربية في إفريقيا، وسيوفر للمستثمرين من جميع بقاء العالم فضاء مريح وخدمات لوجيستية قوية وحديثة للاشتغال.
السياسة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، لبناء الموانئ جعلت من المغرب لاعبا قويا وأساسيا في الساحة الإقليمية والدولية، ومحط اهتمام من مختلف دول المنطقة.
ومع اقتراب موعد انتهاء اشغال بناء الميناء تتزايد المخاوف من بعض الدول المجاورة من أن يتصدر المغرب قمة الدول الصاعدة في مجال الموانئ.
هذا ويراهن أبناء المنطقة على أن يساهم ميناء الناظور غرب المتوسط في إعطاء دفعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال تحسين القدرة التنافسية للمنطقة، وتعزيز جاذبية الاستثمارات الوطنية والدولية وخلق الثروة وفرص الشغل المباشرة وغير المباشرة.
خالد طالب جامعي، تخصص علوم البيئة والمياه، بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور، قال للصحيفة إن الميناء سيشكل ثروة في مجال التشغيل بالمنطقة، مشددا أن شعبا جديدة خلقت بالكلية من أجل تهيئ الطلبة لمتطلبات هذا الورش الوطني الضخم.
ويسير ورش تشييد الميناء الجديد على خطى ثابتة، فمعدل تقدم المشروع تجاوز 85 في المائة، على أن يبدأ التشغيل في سنة 2025، وهو ما أكدته وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء.
وسيتمتع الميناء العملاق بسعة تصل إلى 3 ملايين حاوية و25 مليون طن من المشتقات النفطية و3 ملايين طن من البضائع، بالإضافة إلى ذلك، سيحتوي على منطقة حرة تبلغ مساحتها حوالي 8000 هكتار.
ميناء الداخلة.. بوابة المغرب على إفريقيا
ميناء الداخلة الأطلسي يعتبر مشروعاً استراتيجياً هاماً في الجنوب المغربي، حيث يُشكل ركيزة أساسية لتعزيز الربط بين المناطق الجنوبية للمملكة وباقي المناطق الأخرى، ويهدف الميناء إلى دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية، وتسهيل حركة البضائع والمنتجات الزراعية والسمكية التي تُعد من أهم موارد هذه المناطق، كما يسعى الميناء إلى تعزيز التجارة بين المغرب ودول غرب إفريقيا.
وبلغت الأشغال بميناء الداخلة الأطلسي، الواقع بجهة الداخلة – وادي الذهب، جنوب المملكة المغربية، نسبة 20 بالمائة، ويُرتقب أن تنتهي كليا سنة 2028.
ويندرج هذا المشروع ضمن برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية، الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس بالعيون، سنة 2015، بمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، وهو بمثابة خارطة طريق ترتكز في مضمونها على استراتيجية النهوض بالتنمية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
ويتطلب هذا المشروع الضخم، استثمارا يناهز 10 ملايير درهم، يتكون أساسا من ثلاثة أحواض مختلفة، مخصصة للتجارة والصيد البحري وإصلاح السفن، وتشمل الطاقة الاستيعابية لهذا الميناء تناهز 35 مليون طن من البضائع سنويا.
وفي ما يخص الجانب التجاري للميناء، فإنه من المرتقب أن يضم أرصفة متعددة الاختصاصات (600 متر طولي بعمق 16 متر هيدرو)، ومحطة نفط، ورصيف مخصص للخدمات (100 متر طولي)، وأراضي مسطحة تصل مساحتها إلى 24,6 هكتار.
أما في ما يتعلق بجانب الصيد البحري، فإنه من المنتظر إحداث أرصفة (1650 متر طولي بعمق 12 متر هيدرو)، وأراضي مسطحة تصل مساحتها إلى 28,8 هكتار، علاوة على أرصفة مخصصة لإصلاح السفن (أرصفة 200 متر طولي بعمق 12 متر هيدرو) ثم أراضي مسطحة مساحتها إلى 8,6 هكتار.
ويذكر أن تدشين الموانئ يسعى المغرب من خلالها إلى تقوية بنياته التحتية المينائية، في حين مواقع هذه الموانئ الاستراتيجية سيجعل من المغرب بوابة للتبادل التجاري مع القارة الافريقية والعالم.