عبد الحكيم الهمداني
هل حان الوقت لتصنيف حركة البوليساريو كتنظيم إرهابي ؟! قبل الإجابة عن السؤال الذي أصبح يفرض نفسه بعد التطورات الأخيرة في ملف الصحراء و الذي اخترته عنوانا لهذا المقال أي : لماذا حان الوقت لتصنيف حركة البوليساريو كتنظيم إرهابي ؟! «لابد من الإجابة على السؤال :” هل حركة البوليساريو تنظيم إرهابي ؟! وإذا كانت كذلك فهل صفة الإرهاب طارئة على هذه الحركة أم إنها لازمة لها منذ التأسيس ؟؟!!”
آخر الأخبار الواردة من مخيمات تندوف جنوب الجزائر تفيد بأنه تقرر الإغلاق التام للمخيمات لمدة غير محددة لكي يتم إحصاء جميع الرجال بها و تجنيدهم في ما يسمى ” الجيش الشعبي” ، و الى حين استكمال عملية تسجيل جميع البالغين و معرفة الحاضر و الغائب، يمنع الخروج من المخيمات بينما يبقى الدخول اليها مسموحا.بعد الانتهاء من عملية الإحصاء و التجنيد، يتم تقسيم كل قطاع الى مجموعات يفرض عليهم نظام المداورة للاشتراك في الأعمال الحربية حيث تبقى من كل قطاع مجموعة واحدة في المخيمات و البقية يذهبون الى جبهات القتال، و عندما تعود المجموعة الأولى من الجبهات، تذهب بدلها المجموعة التي كانت متبقية في المخيمات ، و هكذا دواليك.
يعتبر هذا الإجراء الذي أقدمت عليه قيادة البوليساريو احتجازا جماعيا لساكنة المخيمات و هو ما يؤكد كونهم محتجزين ” و ليسوا بلاجئين ” و يتعرضون للتجنيد القسري بما في ذلك الأطفال دون سن 18 سنة. كما أن عسكرة المخيمات لازالت مستمرة في تحدي سافر مستمر للقانون الإنساني بسبب امتزاج المدنيين بالمسلحين و سيطرة ميليشيا مسلحة على المخيمات التي تستخدم بشكل علني كمعسكرات تدريب و كقواعد خلفية للأعمال العدوانية التي تقوم بها الجبهة. الشيء الذي يشكلتهديدا لأمن المدنيين من ساكنة المخيمات و لا يمكن توصيفه بغير كونه إرهابا منظما و متواصلا يمارس في حقهم.
إضافة الى إرهاب ساكنة المخيمات، كانت عملية الكركرات التي قامت بها القوات المسلحة الملكية لتطهير المعبر و لتأمين الحدود المغربية الموريتانية مناسبة لكي تظهر الوجه الحقيقي لقيادة الجبهة حيث أصدرت الجبهة الانفصالية مباشرة بعد هزيمتها يوم 13نونبر بلاغا تعلن فيه عن خروجها من اتفاق وقف اطلاق النار من جهة و تعلن فيه من جهة أخرى عن تبنيها بشكل واضح الإرهاب كخيار استراتيجي، و يتجلى هذا التبني في بلاغاتها التي أعلنت فيها أن تراب ” الجمهورية الوهمية ” أي الصحراء المغربية ومجالها الجوي والبري والبحري، منطقة حرب، داعية كافة الدول إلى الامتناع عن أي نشاط بالمنطقة، و كذلك في تحذيرها للمدنيين المستعملين لمعبر الكركرات و لدولهم بأنهم لن يكونوا في مأمن من هجماتها و أن سلامتهم البدنية غير مضمونة.
و لا يمكن أيجاد أي توصيف آخر للتهديد بقصف معبر مدني مصنف حسب مجلس الأمن انه معبر دولي يساهم في اقتصاد و تنمية كافة دول المنطقة و التهديد بل و محاولة الانتقال من التهديد الى الشروع في تنفيذ عمليات قصف مباشرة على مدنيين الذين يستعملونه سوى بأنه عمل إرهابي و بأن من الجهة التي قامت به هي تنظيم إرهابي، و هو جبهة البوليساريو التنظيم الذي يرهب أيضا ساكنة المخيمات الذين يعيشون محتجزين تحت سلطته في مخيمات على الأراضي الجزائرية و تحت حماية دولة الجزائر التي توفر له ملاذا آمنا.
قد يظن البعض أن هزائم جبهة البوليساريو و انتكاساتها في السنوات الأخيرة هي التي دفعتها لانعدام بديل آخر و بسبب اليأس الى خيار الإرهاب، إلا أن الكشف عن مآسي و فظاعات سجن الرشيد بعد أن توالت الشهادات الموثقة للضحايا الناجين و كذلك شهادات اسر الشهداء و المختفين إضافة الى اعترافات بعض الجلادين انفسهم اظهر بشكل لا يقبل الدحض بأن تنظيم البوليساريو و منذ بداياته الأولى اعتمد الإرهاب و التنكيل كمنهج و كأسلوب للسيطرة على ساكنة المخيمات بل إن جزءا كبيرا من هذه الساكنة قد تم استجلابها قسرا الى حمادة تندوف قبيل و بعيد انطلاق المسيرة الخضراء كما تم اختطاف العديد من الأسر و الأفراد قبل تشييد الجدار الأمني. كل هذا يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن جبهة البوليساريو منذ تأسيسها و طوال تاريخها الممتد الى غاية عمليتها الإرهابية الفاشلة التي حاولت خلالها قصف معبر الكركرات المدني لم تتخل يوما عن الإرهاب و الجريمة كاستراتيجية أداء.
لماذا و ما الذي تغير حتى اصبح من الممكن الآن أن يتم تصنيف حركة البوليساريو كتنظيم إرهابي ؟؟
لعل أهم العوامل التي أدت الى نضوج الظروف الملائمة كي يتم أخيرا وضع حركة البوليساريو في مكانها الطبيعي أي تصنيفها كتنظيم إرهابي هو أخطاءها المتتالية في قراءة تطور موقف المنتظم الدولي من ملف الصحراء خصوصا منذ سنة 2017 و عدم قدرتها على ملاءمة استراتيجيتها و أداءها مع المتغيرات الكبرى في موازين القوى الإقليميةلصالح المغرب و اعتقادها بانها يمكنها أن تعود الى واقع ما قبل التوقيع على الاتفاق الاطار سنة 1991. و هو ما أدى بها الى تحدي قرارات مجلس الأمن بشكل لا يتناسب لا بطبيعة الحال معحجمها و لا يتناسب كذلك مع إمكانيات الجزائرالحالية و لا مع وضعها الداخلي المتأزم، وصولا الى حماقة إغلاق معبر الكركرات. إضافة الى أن تصنيفها كمنظمة إرهابية هو اقصر الطرق للحل الدائم للنزاع تحت سقف مقترح الحكم الذاتي الذي تعتبره قرارات مجلس الأمن المتعاقبة انه يشكل المقترح الواقعي الوحيد المطروح. خصوصا ان قيادة البوليساريو لم تستطع اقتناص الفرصة لاتخاذ القرار التاريخي الشجاع بقبول مقترح الحكم الذاتي بل اختارت المزايدة و الهروب الانتحاري الى الأمام باعتمادها خيار التهديد بالإرهاب و بقصف المدنيين .و عوض أن تكون جزء من الحل قررت أن تكون أداة عرقلة بيد الجزائر
إن الخطوة المقبلة لتسريع الدفع بمساءلة قيادة البوليساريو على أعمالهاالإرهابية تبدأ بفتح مسارين متوازيين، الأول هو السعي الى إقناع المنتظم الدولي بدءا من الدول الحليفة و الصديقة و التنسيق معها لإعلان كل بلد من جهته الجبهة منظمة إرهابية كما تم بالنسبة لتنظيمات إرهابية شبيهة و حليفة لها مثل ميليشيا حوب الله اللبناني ، و المسار الثاني هو تجفيف منابع الإرهاب الانفصالي و حرمانه من ملاذاته الآمنة سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في دول أوروبا و أمريكا بتتبع كل المحرضين و المشيدين بأعمال الجبهة الإرهابية من قبيل قصف المعابر المدنية أو التهديد باستعمال العنف.
إن مستقبل المنطقة و شعوبها مستقبل واعد و لا يمكن ان يرتهن بحركة اختارت ان تمشي عكس مسار التاريخ و ان تبقى مرتهنة لجنرالات الجزائر.
شاهد أيضا
https://achtari24.com/51568.html