في زمن تسير فيه الصناعة بخطى متسارعة نحو المستقبل، استطاع المغرب أن يثبت أن الريادة لا تُمنح بل تُنتزع. ففي عام 2024، لم يكتفِ فقط بالحضور في ساحة صناعة السيارات الإفريقية، بل صعد إلى القمة، متصدرًا الإنتاج القاري بفارق كبير عن أقرب منافسيه، وعلى رأسهم جنوب إفريقيا، الشريك التاريخي في هذه الزعامة.
تقرير حديث سلّط الضوء على هذا التحول اللافت: من أصل 1.18 مليون مركبة جرى تصنيعها في القارة السمراء خلال السنة، خرجت من المصانع المغربية وحدها 559,645 وحدة، منها أكثر من نصف مليون سيارة ركاب. رقم ضخم، يعكس حجم الطفرة الصناعية التي تعيشها البلاد، ويضعها بكل وضوح على خريطة كبار المصنعين عالميًا.
لكن وراء هذه الأرقام بنية صلبة لا تُبنى في سنة أو سنتين. فالمغرب شيد منظومة متكاملة، تعتمد على معدل إدماج محلي تجاوز 65%، ما يعني أن نسبة كبيرة من مكونات السيارة تُصنع على التراب الوطني. وهذا ما جذب أسماء كبرى في الصناعة العالمية، وعلى رأسها “رينو” التي أنتجت أكثر من 413 ألف سيارة من مصنعي طنجة والدار البيضاء، و”ستيلانتيس” التي أضافت 111 ألف وحدة إلى هذا الرصيد المتنامي.
والمغامرة لم تنتهِ بعد. المغرب يخطط للمزيد: رفع إنتاج رينو إلى نصف مليون سيارة سنويًا، وزيادة نسبة الإدماج المحلي إلى 80% في أفق 2030. خطوات مدروسة تعزز موقعه كمركز صناعي لا يُستهان به، ليس فقط على مستوى القارة، بل في قلب سلاسل الإنتاج العالمية.
جنوب إفريقيا، التي احتفلت مؤخرًا بمئة عام على انطلاق قطاعها الصناعي، تبدو اليوم وكأنها تراجع أوراقها بصمت. فـرغم احتضانها لـ12 مصنعًا، فإن إنتاجها تراجع بنسبة 5.2%، متأثرًا بتحديات داخلية تتعلق بالبنية التحتية والطاقة.
وفيما يشهد العالم تحولات كبرى نحو السيارات الكهربائية، لم يتأخر المغرب عن اللحاق بالركب. فبفضل مشاريع مثل Citroën Ami وOpel Rocks-e، بات للمملكة موطئ قدم في سوق المستقبل، حيث تُقاس القوة ليس فقط بعدد السيارات، بل بقدرتها على مواكبة التحولات البيئية والتكنولوجية.