متى تفهم أوروبا معنى الشراكة مع المغرب؟
تحتاج الدول أحيانا إلى تذكير الآخرين بأمور مهمة تتعلق بها وخصوصا السيادة، التي لا يمكن مناقشتها، وفي إطارها تتم عمليات التبادل التجاري والاقتصادي وحتى المنافع السياسية، التي هي جزء من العلاقات الثنائية، تتم وفق الحد الأدنى من المبادئ التي لا تخرج عن نطاق السيادة الوطنية، وهذا هو السياق الذي جاءت فيه تصريحات ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، بخصوص علاقات المغرب مع الاتحاد الأوروبي.
علاقات مبنية على الشراكة الاستراتيجية الممنوحة للمغرب من قبل هذا التكتل السياسي الاقتصادي، لكن جيراننا في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط ينسون أنفسهم، ويتعاملون أحيانا مع المغرب بطريقة “النعامة” التي تدس رأسها في التراب، وترى العالم يتغير حولها لكن تظهر كأنها غير معنية.
ما أراد بوريطة قوله هو أن القوة العظمى في العالم، التي هي الولايات المتحدة الأمريكية، ووفاء للعلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، اعترفت بالسيادة الكاملة للمغرب على أقاليمه الجنوبية بالصحراء ودعمت مبادرة الحل السياسي في إطار الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007، ودائما يتم ذلك في إطار تبادل المنافع السياسية إذ جاءت في سياق اتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب وإسرائيل، ولا حرج في ذلك لأن هذا الأمر من مبادئ الأعراف الدولية التي يلتزم بها المغرب..
لكن مقابل هذا الاعتراف هناك كمون أوروبي، وبعبارة الوزير المغربي على أوروبا الخروج من منطقة الراحة الخاصة به ودعم الدينامية الإيجابية الجارية في الصحراء المغربية، لأنه لا يليق بأوروبا، الشريك للمغرب في العديد من القضايا، أن يبقى ساكتا كل هذه المدة، خصوصا وأن الأزمة عمّرت طويلا، وبدأ المنتظم الدولي يتحرك في اتجاه إيجاد حل للقضية وما على الإتحاد الأوروبي إلا الخروج من منطق الراحة إلى تبني التوجه الدولي.
لكن الاتحاد الأوروبي ومن فرط براغماتيته الزائدة لا يريد أن يخسر أطرافا أخرى لها علاقة بالصراع، لكنه لم يحسبها جيدا، أو كما يقال في المثل “من جعل الناس سواء ليس لحمقه دواء”، والدول أيضا كيانات معنوية ذات بعد مادي، ومن جعلها سواء فليس لحمقه دواء، وبالتالي الترتيب يتم وفق القوة ومنطق الأشياء وحتى منطق الربح.
للاتحاد الأوروبي منافع سياسية واقتصادية كبيرة مع المغرب، ولهذا استحق منذ سنوات صفة الشريك الاستراتيجي، التي تخوله العديد من المزايا، لكن المغرب يقدم الكثير للاتحاد الأوروبي سواء من حيث التبادل التجاري أو من حيث أنه موطن للعديد من الاستثمارات الأوروبية، بل إن المغرب يقوم بدور كبير في مقاربة موضوع الهجرة بشكل عقلاني وقانوني وإنساني، والتزم بالتفاعل مع قضية المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء وتم إدماج الآلاف منهم، وهذه العملية لها ضريبة كبيرة وتستنزف ميزانية الدولة، ولهذا لا ينبغي ألا يتم مبادلة المغرب بقرار أوروبي يقضي بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء أو على الأقل الدفع بمسار الحل السياسي، الذي يعبر المغرب عن استعداده الدائم له.