لم يكن مساء الأحد مجرد لحظة كروية تنضاف إلى أرشيف النتائج والمباريات، بل كان إعلاناً صارخاً بأن “نهضة بركان” لم تعد ضيفاً عابراً في خارطة الكرة الإفريقية، بل صارت رقماً صعباً، وجسداً مؤسساً لثقافة الانتصار الذي لا يبنى على ضجيج الإعلام، بل على عرق اللاعبين، وصرامة التسيير، ووضوح الرؤية.
في ملعب تنزاني غاص بجماهير سيمبا المتعطشة، وبين ضغط الجمهور وحماس الخصم، وقف أبناء الشرق المغربي كالجبال، تلقوا هدفاً في الدقيقة 17، لكنهم لم يسقطوا نفسياً. بل إن الفريق البركاني، كما عوّدنا في محطات مماثلة، عرف كيف يحتضن الألم ويحوّله إلى دافع، حتى جاءت لحظة الحقيقة في الوقت بدل الضائع، حين ظهر البديل سيديبي ليضع الكرة في الشباك، ويضع بركان في كتب التاريخ للمرة الثالثة.
قد يتحدث البعض عن أفضلية الذهاب (2-0) التي حسمت الأمور، لكن من يعرف عقلية هذا الفريق، يدرك أن الأمر أكبر من حسابات الذهاب والإياب. نحن أمام منظومة تسير وفق منطق العمل، لا الحظ. فريق يصنع الألقاب بنفس الرصانة التي يُبنى بها حلم.
الأهم هنا أن نهضة بركان، في ظرف موسم واحد، جمع بين البطولة الوطنية وكأس الكونفدرالية. وهذا ليس إنجازاً عادياً، بل رسالة واضحة مفادها أن الاحتراف الحقيقي ليس في حجم الميزانيات، بل في صدق الطموح.
وإن كانت برقية التهاني التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس قد حملت معاني الفخر والاعتزاز، فإنها في الآن ذاته تعكس حجم المكانة التي باتت الكرة المغربية تحتلها قارياً. فأن يصف جلالة الملك الفريق البركاني بأنه “مثال الفريق المتشبع بالروح الرياضية والتنافسية العالية”، فذلك تتويج رمزي يوازي الكأس ذاتها.
نهضة بركان لم تعد مجرد نادٍ، بل صارت مؤسسة ذات مشروع، ومدرسة في القتال على كل الجبهات. وها هو الشرق المغربي، الذي كان لسنوات على هامش الخريطة الكروية، يتربع الآن على العرش القاري، ويُقدّم نموذجاً يمكن أن يُستلهم، لا فقط في كرة القدم، بل في كيفية تحويل الهامش إلى مركز، والإيمان إلى واقع.
ختاماً، يمكن القول إن الكؤوس لا تُرفع دائماً لأن الفرق كانت الأقوى فنياً، بل أحياناً تُرفع لأن هناك من آمنوا أن الإصرار والتخطيط يمكن أن يهزموا كل شيء.. حتى المستحيل.