الدكتور أحمد درداري*
يؤشر واقع التعليم العالي بالمغرب على تنامي ظاهرة الانقطاع عن الدراسة حيث تصل نسبة الهدر الجامعي من دون الحصول على أية شهادة حوالي الخمسين بالمائة، مما يضع علامات استفهام حول أسباب هذه الظاهرة. ومنها أولا طرح سؤال الوقوف عند السياق الوطني للإصلاح وتكييف السياسة التعليمية مع القوانين الدولية لاسيما الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ثم جودة القانون الوطني ومنهجية عمل الحكومة، وبرنامج الإصلاح واختياراته التي تتقلب من حكومة لأخرى، إضافة إلى الوقوف على واقع الجامعة المغربية وتشخيص الاختلالات، مع طرح حلول لتحسين دور الجامعة والتصدي للهدر وتغيير واقع الحال.
الإطار المرجعي الدولي والوطني لرعاية الدولة للتعليم في المغرب:
تلزم المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كل الدول بصيانة حق كل فرد في التعليم المجاني في المستوى الابتدائي والأخذ تدريجيا بمجانية التعليم لمرحلتي الثانوي والعالي، وهو توجه نحو تأهيل جميع الأشخاص للمشاركة الفعالة في المجتمع، انطلاقا من كون التعليم حقًّا من حقوق الإنسان وبأنه وسيلة لا غنى عنها لإعمال حقوق الإنسان الأخرى، وتعتبر المادة 13 من أطول وأهم مواد العهد. وعليه فإن الدول الأطراف الموقعة معنية بإعمال الحق في التعليم، وتوفير التعليم الابتدائي المجاني والشامل والإلزامي، الذي يمكن الوصول إليه بشكل عام في التعليم الثانوي في أشكال مختلفة مع احترام تكافؤ فرص التعليم العالي، وأن يكون متاحًا للجميع دون تمييز.
كما تقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن تعمل على ضمان الأهداف التالية:
– جعل التعليم الابتدائي إلزاميا ومتاحًا ومجانا للجميع.
– تعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، بما في ذلك التعليم الثانوي التقني والمهني، وجعله متاحا للجميع بكافة الوسائل المناسبة ولا سيما بالأخذ تدريجيا بمجانيته.
ومن جهته يلتزم المغربى بمضمون وأهداف هذه الاتفاقية مع غياب عنصر الإجبارية واقتصر دور الدولة على تعبئة كل الوسائل المتاحة وليست الضرورية لتيسير الاستفادة من الحق في التعليم، حيث نص الفصل 31 من الدستورالحالي على ما يلي:
تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في:
– الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة.
– التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة.
– التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية.
وحسب الفصـل 168 من نفس الدستور أحدث المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لتتبع الشأن التربوي والتعليمي، والعناية بالخصائص الهيكلية التي تطبع النظام التعليمي المغربي، والتنقيب والإحاطة بأسباب الهدر الذي يعرقل تطور العملية التعليمية بجميع مراحلها، والتي تسببت في نزيف كبير للموارد البشرية، وهي ظاهرة مركبة تشمل مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى ضعف السياسة التعليمية الناتجة عن ضعف السيادة التعليمية.
أسباب الهدر الجامعي وانعكاساته الاجتماعية:
تتنوع أسباب الهدر الجامعي والمدرسي بين أسباب اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، ونفسية، وجغرافية.
أولا: الأسباب الاجتماعية:
وتتجلى في العوامل والأسباب التالية:
• الغياب المتواصل بين الآباء والطلبة وغياب المصاحبة تؤدي إلى الانحراف وتيه بعض الطلبة.
• بعد المسافة بين موطن الطلبة والجامعة يؤدي إلى المزيد من الإحساس بالتحرر فيؤدي إلى إهمال الدراسة كالتزام أساسي.
• مسألة الزواج الذي يوقف مسيرة الدراسة لدى عدد من الطالبات في المرحلة الجامعية.
الأسباب الثقافية:
تعارض الثقافة الجامعية والمدينية مع بعض العادات والتقاليد، مما يدفع عددًا من الطلبة إلى تغيير مواقفهم مقارنة بنمط عيشهم، وتجرهم إلى نقد وتغيير عقليتهم، والتوجه نحو البحث عن بدائل من أجل الاندماج والمواكبة مما يحول دون استكمال الدراسة.
الأسباب الاقتصادية:
وتتجلى في الفقر والحاجة، والدخل المحدود للأسر، وضعف الموارد المالية الكافية لتكفل الأسر بالدراسات الجامعية للأبناء.
الأسباب النفسية:
تتجلى في صعوبات تأقلم بعض الطلبة في الأوساط الجامعية نظرا لغياب التأطير والتواصل المؤسساتي بين الطلبة القدامى والجدد. مما يدفع الكثير منهم إلى الغياب عن المحاضرات ويزيد البعد، والسكن، والنقل، والمنح من تكرار الغياب.
الأسباب الجغرافية:
إن غياب النقل الجامعي لفائدة الطلبة القاطنين في المحيط القروي للجامعة، وغياب جمعيات تهتم بالغرض يؤدي إلى الهدر.
وتوجد ظاهرة الهدر الجامعي بكثرة في المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، التي تستقبل أعدادا كبيرة من الطلبة الحاصلين على الباكالوريا، والذين أغلبهم لا يتوفرون على معدلات مرتفعة، إضافة إلى التسجيل بباكالوريا قديمة انطلاقا من كون شهادة الباكالوريا تمنح الحق في التسجيل وليست امتيازًا مثل الإجازة التي لا تخول حاملها حق التسجيل بسلك الماستر إلا باجتياز المباراة، وأصبح العدد يفوق الطاقة الاستيعابية للكليات، وأصبح الاكتظاظ يؤثر على جودة التأطير، لاسيما مع وجود تفويج للمواد يصل عدد الطلبة في الفوج الواحد إلى حوالي 1500 طالب دون توفير مدرجات تتسع لهذا العدد، وفي ظل النقص الكبير على مستوى الأساتذة المؤطرين وافتقار بعض الكليات للأطر الإدارية الكافية لمعالجة ملفات الطلبة من منح وامتحانات ونقط ومشاكل تقنية مرتبطة بمعطيات الطالب الرقمية ….إلخ. مما يساءل الجميع عن مبررات بقاء المغرب في دائرة العجز الذي يتجاوز المعدلات الدولية.
وبحسب إحصائيات رسمية فإن 50 في المائة من الطلبة المغاربة يغادرون الجامعات بدون الحصول على أية شهادة، وذلك يعود إلى عوامل من بينها إشكالية التوجيه، وصعوبة التأقلم مع الفضاء المفتوح، وضعف مستوى التأطير والتحصيل البيداغوجي، وأزمة اختيار لغة التدريس، مما يؤثر على مردودية منظومة التعليم العالي. بل وحتى على منظومة التربية لكون الهدر يرتبط بالمدرسة قبل الجامعة.
كما يوجد عامل مهم يتمثل في كون غالبية الطلبة الذين يلتحقون بالجامعات دون توفرهم على الكفايات الضرورية وتكوينات أولية، سواء على المستوى اللغوي أو المنهجي أو المعرفي، إضافة إلى اختلاف مواد التدريس بسلك الثانوي وتباعدها عن مواد بعض الكليات، مما يجعلهم غير قادرين على المسايرة، حيث يغادرون الجامعة دون الحصول على أية شهادة، زد على ذلك غياب التوجيه الذي يعتبر سببا في ظاهرة الهدر الجامعي، لكونه لا يتلاءم مع طبيعة التخصصات ولا يراعي شروط توزيع الطلبة بمختلف المسالك، بالإضافة إلى الجوانب النفسية والاجتماعية.
والهدر الجامعي يرتبط بعدم قدرة الطلبة على مواصلة الدراسة الجامعية بسبب أيضا ضعف الإمكانيات المادية، خصوصا في ظل محدودية عدد المستفيدين من المنح وصعوبة حصول جميع الطلبة على السكن في الأحياء والمركبات الجامعية، التي يتركز أغلبها في محور الدار البيضاء ــ القنيطرة ــ الرباط.
فهناك عدد كبير من الطلبة هم ضحية شهادة الدخل السنوي لأسرة الطالب أو الطالبة، حيث أصبحت شهادة الدخل شرطا للاستفادة من المنحة والسكن الجامعي والمحدد في أقل من 6000 درهم سنويا، ويخضع الإشهاد إلى السلطة التقديرية للسلطة المحلية الذي يختلف من منطقة لأخرى، بحيث هناك شهادات الدخل كاذبة وتخضع للزبونية والمحسوبية، فيستفيد من المنحة والسكن أولئك الطلبة الذين يحصلون على شهادة الدخل مخالفة للواقع، وإن كانوا أفضل حال من المستحقين فعلا، كما يصعب على جميع طلبة العالم القروي الولوج للسكن الجامعي الذي لا يستجيب لكل طلبات السكن، نظرا للطاقة الاستيعابية المحدودة وارتباط الاستفادة من السكن بنفس شهادة الدخل.
كما أن غياب تفعيل مكاتب المواكبة النفسية بالمؤسسات الجامعية، والوقوف على المشاكل النفسية للطلبة والمشاكل المتعلقة بالأسرة والإدمان والفقر، والتي تلعب دورا مهما في مغادرة الطلبة لفصول الدراسة بشكل مبكر، حيث يتقاطع فيها الذاتي بالموضوعي، ويجعل شرائح واسعة من الطلبة والشباب خارج مسار استكمال التكوين الجامعي، وهذا الوضع يضع التعليم العمومي بصفة عامة، أمام تحدي اهتمام الحكومة بالجامعة والطلبة ومحاصرة الظاهرة المقلقة، والإجابة عن سؤال الجدوى من الإنفاق العمومي الكبير دون إحكام تدبير القطاع بما يتلاءم مع أهداف الجامعة وطموحات الوطن التي لا تبرر استمرار تداعيات الهدر على المجتمع والدولة على حد سواء. خصوصا في ظل وجود عيون الإعلام والمسؤولين والمجتمع المدني والسلطات العمومية المتتبعة للشأن الجامعي والدراسي معا، إضافة إلى أقلام الباحثين القانونيين والاقتصاديين والاجتماعيين، فكيف السبيل علما أن الوضعية تشير إلى امتداد جسور الهدر الجامعي إلى الهدر المدرسي الذي يعرف أشكالا ومستويات ودوافع أخرى أسرية واجتماعية وثقافية واقتصادية ولوجستيكية وجغرافية وأمنية خصوصا في العالم القروي؟
وبالعودة إلى لغة الأرقام، نجد أنه في سنة 2019، كانت نسب الهدر كما يلي:
– 43 في المائة من الطلبة يغادرون الجامعة بدون شهادة (شهادة الدراسات الجامعية العامة، الإجازة الأساسية).
– و16 في المائة من الطلبة، يغادرون الجامعة بعد ستة (06) أشهر من انطلاق السنة الجامعية، دون اجتياز امتحانات الأسدس الأول.
– عتبة الإشهاد لا تتجاوز 20 في المائة بشكل عام، وهي نسبة تتباين حسب الجامعات.
– 18 في المائة في كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية.
– 15 في المائة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
– و10 في المائة على صعيد كليات العلوم..
– وبتكلفة 13 مليارًا من المال العام الموازي لهذا الهدر الجامعي.
وبما أن الهدر لا يمكن اختزاله في من يتوقف أو ينقطع عن الدراسة، وإنما يعكس وضعيات شرائح واسعة من الطلبة الجامعيين الفاقدين للبوصلة، منهم متعثرون وفاشلون وتائهون، ومرضى نفسيون فيظلون بعيدين كل البعد عن إيقاعات التعلم، وضبط علاقتهم بنظام التعليم بالكلية أو الجامعة، التي لا تتجاوز حدود الحصول على بطاقة الطالب.
فهناك الكثير من الطلبة، قضوا زهاء ثمانية (08) مواسم جامعية في سلك الإجازة الأساسية، أو أكثر، في بعض كليات الآداب وكليات العلوم القانونية والاقتصادية..، وحتى من أدرك الشهادة منهم، فهو يغادر الجامعة كما دخلها، بضعف مستوى الكفايات المعرفية والمنهجية وغالب على تفكيره الأفق المسدود بعد التخرج، فيتحول إلى متخرج مصحوب بأزمة معقدة تحوله إلى رقم في طابور العاطلين.
إن الوزارة الوصية على القطاع، تتوفر اليوم على أرقام صادمة بخصوص الهدر الجامعي، وهو ما يسائلها عن مصير الآلاف من المنقطعين عن الدراسة والمغادرين للأقسام والمدرجات، في ظل صعوبات العيش وغياب الرعاية والمواكبة والدعم والتتبع، وإفلاس مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية، في ظل غياب التصور الذي يرتكز على تغيير المضامين والوسائل والطرائق وبنيات الاستقبال، وربط الإصلاح الجامعي بمحاربة كل أشكال الفقر والهشاشة والإقصاء والحد من الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية الصارخة، بحيث إن ترك القلم ممكن متى اشتد وزر الألم، ويصبح المصير عصي التحديد، واليوم نحتاج إلى من يدرك خطورة الهدر ويقدر تداعياته الآنية والمستقبلية على الوطن.. ونحتاج إلى من يبني الإنسان الذي يحمي القيم ويصون العيش المشترك داخل الوطن…
وقد لاحظ العديد من الباحثين أن ظاهرة الهدر المدرسي ترتبط بالمنتمين إلى الوسط القروي، وتليه الأحياء الشعبية، أي الأحياء الهامشية والفقيرة بالوسط الحضري، مما يعمق من نتائجه الخطيرة، مثل انتشار الأمية والبطالة والجريمة في المجتمع وهدر الموارد المالية للدولة، كما يؤدي حتما إلى الانحراف والتهميش والإقصاء واستغلال الأطفال في سوق العمل قبل سن الخامسة عشرة.
وقد كشفت الأرقام الرسمية أن ظاهرة الهدر الجامعي أيضا توجد في تصاعد متزايد، في السنوات الأخيرة، لذلك فإن إصلاح التعليم الجامعي حاضر بقوة في مشروع الإصلاح الذي تباشره الوزارة الوصية.
وهناك إجماع بين كل الفاعلين والمعنيين بمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي على وجود عدة اختلالات تعتري النظام التعليمي الحالي. والتقارير أبانت عن ارتفاع نسب الهدر الجامعي، الذي يقدر بالخمسين في المائة، مما يقتضي تحديد أسباب هذه الظاهرة. للحد من مغادرة الطلبة المغاربة للجامعات بدون الحصول على أية شهادة. وربط الأسباب بإشكالية التوجيه، وضعف مستوى التحصيل البيداغوجي، واختلاف لغة التدريس، وتحسين الظروف المادية والمعرفية للطلبة ومنها مردودية التعليم العالي.
وبتقديم قراءة في لغة الارقام بين سنة 2019- و2023 فإن الهدر انتقل من 43 في المائة من الطلبة الذين يغادرون الجامعة بدون شهادة الدراسات الجامعية العامة، و الإجازة الأساسية الى 50 في المائة. وارتفاع تكلفة الهدر الجامعي الى أكثر من 13 م مليار من المال العام، مقابل مغادرة الآلاف لمدرجات الجامعة، في ظل صعوبات و أزمة اجتماعية واقتصادية متفاقمة، وانعدام المواكبة والدعم والتتبع، وإفلاس مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية لاسيما بعد جائحة كورونا التي دفعت الى الانتقال الى التعليم عن بعد ودخول عصر الجامعة الرقمية. مما يجعل محاربة الهدر الجامعي غير ممكن الا عبر محاربة كل أشكال الفقر والهشاشة والإقصاء والحد من الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية الصارخة، وتمكين الطلبة من امكانيات الولوج الى الجامعة الرقمية، لان الفقر وضعف الامكانيات المادية تدفع الى التخلي عن الجامعة متى اشتد الوزر والألم على الطالب .
فالرعاية الاجتماعية للدولة والاصلاح الشامل هو الحل للهدر الجامعي الذي يهدد باخلاء الكليات المغربية.
انطلاقا من كون موضوع الهدر الجامعي وإصلاح التعليم أصبح موضوع تداول ومناقشة بين السلطة الحكومية المسؤولة عن قطاع التعليم العالي والبرلمانيين، الأمر الذي يعني أن تغيير النظام البيداغوجي لا يكفي للجواب عن عدد من الإشكالات التي تتخبط فيه الجامعة المغربية كظاهرة الاكتظاظ بالاضافة ما تعانية بعض كليات العلوم أو الآداب أو القانون والاقتصاد أو الكليات متعددة التخصصات، من ضعف انخراط الشركاء لربط التكوين بالتشغيل، وغياب نظام للتوجيه، وضعف المستوى المعرفي العام واللغوي، وعدم تملك الخريجين لكفايات كافية لولوج سوق الشغل. لأنه في الغالب هناك صعوبة في الولوج والاندماج في سوق الشغل لدى حاملي شهادة الإجازة، بسبب عدم تملك خريجي المؤسسات الجامعية ذات الولوج المفتوح مجموعة من الكفايات، إضافة إلى ضعف تملك اللغات الأجنبية.
هذا ولتأمين حياة الطالب الجامعي والزمن الجامعي، يجب إحداث هيئة للمراقبة الأكاديمية، والقيام بزيارات ميدانية دائمة، وإعداد تقارير سرية و صادقة، اضافة الى تنسيق العمل بين الاحياء الجامعية والجامعة ومديرية الميزانية والسؤون العامة المكلفة بالمنح، وتفادي التباعد الزمني بين المؤسسات المرتبط بالتعليم الجامعي، حيث نجد أن الاحياء الجامعية تفتح ابوابها بعد بداية الدراسة بفارق زمني يوثر على حضور الطلبة المقبولين في الأحياء الجامعية، وتغلق أبوابها قبل انتهاء امتحانات الدورة الربيعية الاستدراكية، فيصعب عليهم الحصول الى حين اجتياز الامتحانات، اضافة الى ضبط تاريخ تمكين الطلبة من المنح تماشيا مع بداية الدراسة.
وأمام هذه الوضعية تستلزم إرادة حقيقية من الدولة وليس فقط من الوزير الوصي على الجامعات، ذلك أن إصلاح التعليم العالي مرتبط بإصلاح منظومة كاملة بداية من التعليم الابتدائي مرورا بالإعدادي والثانوي ثم الجامعي ويجب أن يكون هذا الإصلاح شاملا، لأن الفقر يدفع عددا من الطلبة إلى مغادرة الجامعات المغربية بدون رحمة.
ومن جهة أخرى يبلغ الحد الأدني لأجر الأستاذ في الجامعات الحكومية المغربية حوالي 1500 دولارتقريبا، بينما لا يتجاوز الحد الأعلى 3000 الآف دولار، وأن مراعاة الاجور ينبغي أن تكون ركناً أساسياً من النظام التعليمي الجديد وإلا فإن الأزمة ستستمر لأن أجور أساتذة الجامعات في المغرب تبقى أقل بين نظرائهم في المنطقة العربية منذ سنوات، بحسب استبيان أعدته الفنار للإعلام وقد شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة احتجاجات من قبل الأساتذة ورفع مطالب بتحسين أوضاعهم لكنها لم تلق إستجابة كافية حتى الأن، وزاد الوضع تأزما مع التضخم الذي يعرفه المغرب في ظل الظروف الدولية الحالية. ذلك أن العمل بالقرارات الحكومية ذات الطابع الأفقي، دون دمج الهياكل وأساتذة الجامعة كجزء من للخطة الإصلاحية التي تزيد من فشل وزارة التعليم العالي، وسيؤدي الى المزيد من النقاشات والاجتماعات مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، وتنامي الضغط من أجل التجاوب مع المطالب بشكل إيجابي، ولن ينجح النظام الجديد سوى بتحقق التقائية حول الاصلاحات ومنها الاستجابة للمطالب العادلة، وهناك انتقادات واسعة من قبل بعض أساتذة الجامعات لعدم إشراك الجميع في النقاش. حيث أنه لا يمكن تعديل النظام الجامعي دون النظر وضعية الأساتذة و إلى النظام المدرسي.
وتبعا لذلك كانت هناك ضرورة لإرساء نموذج جديد للتكوين الجامعي بهندسة بيداغوجية جديدة، بما يتوافق مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
استنتاج وحلول
للحد من الهدر الجامعي يجب :
– تكثيف التحسيس والتأطير وتقديم الدعم المادي والاجتماعي للطلبة، ومنها أساسا تحسين جودة الخدمات الجامعية، وتوسيع احياء السكن الجامعي، وتعميمه على طلبة المناطق القروية وتجهيزها والعناية بها.
– الاهتمام بالطالبات المنحدرات من الوسط القروي كأولوية، وتوفير الدعم الاجتماعي لهن.
– الزيادة في المنح التي تقدمها الحكومة للطلبة في وضعية هشة مع رفع عدد الممنوحين والاستفادة من الدعم الاجتماعي.
– فتح امكانية اقتراض المنح للطلبة المجدين الذين يرغبون في ذلك مقابل اعادتها بعد الحصول على عمل.
– تعبئة وانخراط كل الفاعلين من حكومة ومجتمع مدني، وفاعلين محليين وجهويين، من أجل الاهتمام بالمؤسسات التعليمية العمومية والتدخل لتحديد المناطق والجماعات الأكثر حاجة للمساعدة وتعرف نسبة كبيرة من الهدر المدرسي والجامعي.
– تقنين الالتحاق بالمؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، التي تحتضن أعدادا كبيرة من الطلبة تفوق طاقتها الاستيعابية، والأخذ بعين الاعتبار المعدلات الدولية، وذلك بملاءمة التوجيه مع طبيعة توزيع الطلبة بمختلف المسالك.
– التدقيق في شروط الاستفادة من المنح ، وتمكين فئة الطلبة المستحقين من السكن في الاحياء الجامعية والزيادة في طاقتها الاستيعابية.
وعموما تبقى محاربة الهدر بكل أشكاله وبمختلف الأسلاك التعليمية من خلال الرصد والاطلاع مرتبطة بالاستراتيجيات والمقاربات الناجعة المعمول بها في سياقات متعددة تجعل التلميذ والطالب محور السياسات العمومية والاستثمار في الشباب، عبرتجويد الخدمات التعليمية، وتوفير شروط نجاح الجامعة بدءا بالمدرسة ، وربط المؤسسات التعليمية بمحيطها بشكل يساعد على تكوين المواطن المسؤول المتشبث بقيم المواطنة والهوية والمنفتح أيضا على قيم العصر والديمقراطية.
– تأكيد انفتاح الجامعة على المقاولة و اقتصاديات الثقافة و دعم الابتكار و التميز وربط التخرج بسوق الشغل
*أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوا
رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات بمرتيل
RépondreTransférer