أخطر أنواع التهريب تلك التي تمر عبر القانون، ولا تستطيع قوة اعتراضها، لأنه لا تتوفر ترسانة من القوانين تمنح القائمين على حماية أمن المغرب الاقتصادي القدرة على التدخل، ويقف عاجزا كل من يود مواجهة الظاهرة، في وقت تقف الحكومة متفرجة أو مستفيدة من هذه العملية التي تمر أمام أعيننا. ندخل طولا إلى الموضوع فنقول إن الأمر يتعلق بالأموال التي يتم صرفها على الإشهار في وسائل إعلام أجنبية رغم أن المنتوج لا يوزع إلا في المغرب بل أحيانا لا يوزع إلا في جهات من المغرب.
منتوج مغربي خالص يباع في المغرب ولا يوزع في الخارج، ومع ذلك تتولى المؤسسات الإعلامية الأجنبية الدعاية له، فقط لأنها تهيمن على المشهد الإعلامي دوليا، مثل غوغل وفيسبوك ومنصات أخرى من مواقع التواصل الاجتماعي، كما عملت بعض القنوات والإذاعات الأجنبية والعربية الموجهة للمغرب على الهيمنة على سوق الإشهار بالمغرب.
ينبغي الاعتراف أولا بأن سوق الإشهار في المغرب غير كافية حتى لتغطية السوق الإعلامية الوطنية، فبالأحرى أن يفيض الخير علينا ونوزعه على الأجانب، والأدهى والأمر أن كثيرا من الأموال التي من خلالها يتم تمويل الحملات الإشهارية على منصات دولية تخرج من المغرب دون أداء “ريال” واحد لمصلحة الضرائب، وتصبح أموالنا تُهرب مع تهرب ضريبي.
بعض الدول عملت قوانين على حماية الأموال التي يمكن أن تهرب بشكل قانوني، وقام الاتحاد الأوروبي بتغريم منصات كثيرة مثل فيسبوك ويوتوب وغرّمت تركيا فيسبوك 37 مليار دولار، وجاء الدور على نجيريا، التي تسعى إلى منع إشهار المنتوجات المحلية على وسائل ومنصات دولية، وكانت السلطات واضحة حيث اعتبرت أن الهدف هو دعم وسائل الإعلام والمنصات وصناعة المحتوى الوطني.
وقررت هذه الدولة الإفريقية إيقاع عقوبات مالية على كل شركة تقوم بإشهار منتوجها المحلي على وسيلة إعلام أجنبية، وعلى كل إشهار فرضت غرامة 245 دولارا، وسيكون الرقم مرتفعا إذا تعدد الإشهار، وبهذه الطريقة تكون الدولة تسير نحو حماية المال النيجيري.
في المغرب يمكن أن تشتغل الحكومة، ممثلة في قطاع الاتصال بوزارة الثقافة والشباب والرياضة، بشراكة مع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف وكافة المعنيين، على معالجة هذا الأمر بقواعد قانونية، تحمي الشركات المعلنة وتحمي الإعلام الوطني من المنافسة غير المتكافئة مع المنصات والقنوات الدولية التي تتوفر على إمكانات هائلة وذلك عبر منع إشهار أي منتوج لا يباع خارج الحدود من الإعلان عن نفسه في وسيلة إعلامية أو منصة من منصات التواصل الاجتماعي، وحماية المال المغربي في حالة الإشهار الدولي عبر فرض الضرائب اللازمة ومنع التهرب الضريبي بأي شكل من الأشكال.
المغرب ليس بلدا غير منتج للقوانين، بل سبق في كثير من المجالات وبالتالي ليس في كبير أن تقوم الحكومة بإخراج قانون من هذا النوع.