الأغلبية ليست سلطة للسيطرة، هي مجرد آلية لفرز الأغلبية الحكومية، وأخطر شيء في تاريخ السياسات هو التماهي المطلق بين الأغلبية في الحكومة والأغلبية في البرلمان، حيث تصبح هذه الأخيرة مجرد أرقام حسابية لتمرير القرارات، بدل المساهمة في صناعتها ومناقشتها، فالأغلبية في البرلمان اليوم تجاوزت حدود رفع الأيدي من أجل التصويت، بل أصبحت مدافعة عن حق الحكومة في فعل ما تريد.
تروج الأغلبية اليوم لقصة خطيرة على الممارسة الديمقراطية في المغرب، حيث تهدد المعارضة بأنها “فقط تضيع الوقت” وأنها تنفخ في القربة المثقوبة، لأن الأغلبية العددية كافية لتمرير أي قرار وأي مشروع قانون سواء رضيت المعارضة أو لم ترض، وسواء كان لمصلحة المواطنين أم لا؟
المفروض في الأغلبية أن تكون حامية للأغلبية الحكومية وذلك من خلال تجويد عمل الحكومة والرقابة على الوزراء، نعم الأغلبية البرلمانية تصوت لفائدة الأغلبية الحكومية، لكن بعد أن يقوم نوابها بقراءة النصوص وتنقيحها وتصفيتها وتقويم اعوجاجها، لا أن تصبح الأغلبية مجرد رقم حسابي لرفع الأيدي والتصويت.
لماذا الأغلبية العددية خطر على الممارسة السياسية وخطر على الممارسة الديمقراطية، التي اختارها المغرب نهجا ثابتا؟ لماذا تعتبر الأغلبية العددية وسيطرتها عبر الأرقام، خطرا على المشهد السياسي؟ لماذا يعتبر التغول الرقمي ضربا لقيم الاجتماع البشري التي ميزت المغرب؟ لماذا تعتبر هيمنة الأغلبية بأرقامها قتلا لممارسة التعايش السياسي بين مكونات المجتمع؟
نشير إلى أن الأغلبية الحكومية وأغلبيتها البرلمانية تسير بخلاف الدستور، لا من حيث المخالفة القانونية، ولكن من حيث مخالفة روح الدستور وعمقه وجوهره. فالدستور ليس نصوصا جامدة والقانون ليس آلة للعزف وفق هوى الأغلبية. لنتأمل جيدا بنية الدستور لنرى أية خطورة يمثلها تحويل الأغلبية إلى مجرد أرقام.
في فصوله الأولى تحدث الدستور، الذي وافق عليه المغاربة باعتباره أول دستور تتم صياغته توافقيا وبعد الاستماع لكل مكونات المجتمع من سياسيين ونقابيين ومجتمع مدني، (تحدث) عن المعارضة، وطالب بمنحها كافة الإمكانات لممارسة عملها، بل شدد على ضرورة منحها رئاسة لجنة، ولهذا يستحسن دائما منحها لجنة العدل والتشريع. لماذا أولاها هذه الأهمية؟
الدستور ليس وسيلة للترضية، ولكنه وسيلة لخلق التوازنات، فهذه كانت رسالة لتغليب التوافقات على الحسابات العددية، وأي إقصاء للمعارضة تحت أي عنوان هو ضرب للممارسة الديمقراطية.
وتنسى الأغلبية أن اليوم أصبحنا نتوفر على وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت كاشفة لكل ما يجري ويدور، حيث يمارس نواب الأغلبية دورهم في تنوير المجتمع من خلال “بوستات” حول ما يدور في اللجان وغيرها، بينما لا نرى أثرا للأغلبية، المندورة اليوم لرفع الأيدي والتصويت على مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة، وأرادت الأغلبية صياغة قانون داخلي يخدم أهدافها لولا يقظة المجلس الدستوري الذي رفضه، لأنها تريد قانونا داخليا يلزم النواب بمناقشة محددة دون تفاصيل الموضوع حتى يتم تمرير كل القوانين التي تريد الحكومة.