محمد عفري
لن ينتظر المغاربة المائة يوم التي تحددها الأعراف للحكم على منجزات الحكومات عند بداياتها، لأن حكومة أخنوش كشفت عن وجهها الحقيقي للناخبين قبل باقي المواطنين، خلال أقل من أربعين يوما من بداية مسارها فقط، وبات الحكم عليها جاهزا.
حكومة أخنوش صورة طبق الأصل لسابقاتها. مصلحة المواطن آخر حبة من عنقود المصالح التي تفكر فيها، والمواطن يستمر حجر زاوية الاقتصاد والنمو، بصفته عماد الطلب الداخلي على الاستهلاك، والدليل في ذلك، الهندسة الجهنمية و”المَطْروزة ” لقانون المالية التي تعتمد فيه الميزانية على الرفع في الأسعار والزيادة في الضرائب وخلق ضرائب جديدة وتعديل أخرى..
شهر ونيف من الأيام، كان كافيا لنوايا ثالوث التّكتّل الحكومي ( التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال) الذي ضرب للمغاربة شعارات فضفاضة، ” تستاهل أحسن”،” باش نزيدو القدام” و” الإنصاف الآن”، اتضح في لمح بصر أنها أكاذيب.
المتدبر في هذا الشعارات يستخلص العكس، أي أن لا “استحقاق” أو اعتبار للمغاربة لدى الحكومة ولا رغبة لديها للسير إلى الأمام بالمواطنين، ولا نية في إنصافهم الآن، أو حتى في المستقبل القريب. اتضح أن المغاربة لا يستحقون لدى أخنوش سوى الرفع في الأسعار، ورفع معدل التضريب في قانون مالية يخدم مصالح الأثرياء والباطرونا وكبار رجال المال والأعمال، أكثر مما يفكر قيد أنملة في مصلحة الأجير والموظف والمتقاعد والمواطن المقهور، الموزع بين الشاب العاطل وصاحب المعاش الزهيد والأرملة المغلوبة على أمرها والمرأة المنبوذة في المناطق النائية وصاحب الاحتياجات الخاصة الذي يصارع المرض والخصاص في التغطية الصحية الشاملة والحق في التطبيب، والمواطن من دون مأوى والتلميذ في القرية، وهلم جرا من مَواطن الهشاشة التي تنخر المواطنين.
فالثقة التي وضعها الناخبون من المغاربة في حكومة أخنوش، قابلها بسرعة بديهة، الغدق عليهم بالعديد من العقاب جزاء لهم عن هذه الثقة، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
الحقيقة أن “هدايا” أخنوش وحكومته كانت مباشرة إلى الناخبين الذين وضعوا هذه الثقة في الحمامة والجرار والميزان بتصويت عقابي لحزب العدالة والتنمية الذي قاد الأغلبية الحكومية لولايتين سابقتين، وخاب الظن فيه، وها أخنوش وحكومته يردّان الصاع صاعين، و”على الرّيق” كما نقول.
هكذا في شهرها الأول من تقلد المسؤولية، لم تتأخر حكومة أخنوش في رفع أسعار العديد من المواد الاستهلاكية. المحروقات، بصفتها محرك ثنائية التموين والاستهلاك المؤثر على باقي المواد في نقلها بين المدن والقرى، كانت أول المواد التي شهدت الارتفاع في وجه المواطنين. كل المغاربة يعلمون أن الذي لم يرفق بهم ولا بأسعار المحروقات، في عز سقوط السعر الدولي للبرميل، في السنوات الأخيرة، لن يكون رحيما بهم في عز اشتعال الأسعار الدولية أو استقراها، لأن كاريزما أخنوش المبنية على الاقتصاد أكثر من السياسة، تشفع غايته في “التغوّل” عبر الربح الفوري في كل شيء، ولو كان على حساب المواطن، خصوصا في قطاع يعتبر فيه الرجل امبراطورا. باقي المواد الاستهلاكية الضرورية للعيش، لم تسلم أسعارها من الارتفاع، وكانت هي الأخرى من بين أهم “الهدايا”، فيما كان المبرر هو ارتفاعها عالميا، أي في مصدرها المُمون.
كل المغاربة الذين شنّف مسمعهم الوعيد الذي أطلقه أخنوش، قبل عامين في مقطع مصور، تزامن مع الحملة الفيسبوكية لمقاطعة العديد من المواد الاستهلاكية والقاضي بـ”إعادة التربية” للمواطنين، يدركون أن أخنوش لم يخلف وعيده لينفذه بالحرف، والشاهد هو الرفع في الأسعار، ويتعداه إلى أنواع الضرائب الجديدة التي ستنهك المواطنين وتزيد من ثراء الأثرياء بمفهوم “زيادة الشحمة في ظهر الحلّوف” كما يقول المغاربة في عاميتهم عن مفهوم التغوّل، وهل من تغوّل أكثر من رفض الضريبة على الثروة في طلب تعديل لمشروع قانون مالية 2022، قبل المصادقة عليه، ليلة السبت الأخير، في مجلس النواب، أم هل من تغوّل أكثر من الإلحاح على ضرائب جديدة على العديد من القطاعات والمنتوجات التي من شأنها أن ترفع أسعار المواد الاستهلاكية والضرورية لمعيشة المواطنين، في إصرار على إثقال كاهل الموظفين والأجراء بالضريبة بكل أنواعها، من الضريبة على الدخل إلى الضريبة على القيمة المضافة، في أبسط المواد الاستهلاكية. وهل من تغوّل أكثر من أن يؤدي العمال والأجراء 38 في المائة من إجمالي الضرائب، وكل ذلك بهدف سد العجز الحاصل في الميزانية، الذي تتسبب فيه الرواتب العليا لوزراء أخنوش والمنح وأجور التقاعد عن الاستوزار، بل هل من تغوّل أكثر من سحب ( قبل أسبوعين من الآن) مشروع القانون الجنائي الخاص بالثراء غير المشروع ( من أين لك هذا)، وهو المشروع الذي حاربته أطراف من حكومة أخنوش، حين كانت في المعارضة وجمدته منذ 2016 دون المصادقة عليه.