منح القانون للوزراء و الحكومة سلطة تنزيل مراسيم و قرارات تهم تنظيم و هيكلة قطاعات معينة، وتنظيم مباريات و امتحانات تهم وظائف معينة و مهن محددة ينظمها القانون ويترك للسلطة التنفيذية أمر تنظيمها و ترتيبها وهيكلتها، لتقف هذه العملية أمام سمو وطبيعة المنظومة القانونية في المغرب انطلاقا من بنود الدستور الى القوانين التنظيمية عبر ظهائر شريفة أو مشاريع قوانين حكومية الى المراسيم و القرارات، تنزيلا لدولة الحق و القانون، وانتصارا لمبدأ العدالة للتشريع، وجعل القانون السلطة الأولى التي تخضع الناس لقواعده الآمرة و تنظم حياة البشر على رقعة معينة من هذا الكون، وهنا يبقى السياسي المسؤول كعنصر من عناصر إدارة الدولة تقتصر مهامه الأولى على التأطير سياسيا و التشريع قانونيا و الإلتزام أخلاقيا ببنود القانون و التوجهات السياسية الكبرى للبلاد، غير أن السياسي في بلادنا يميل ميلا عظيما الى الولاء الى حزبه و مصالحه، حتى يفقد ولائه للقانون و البلاد، ونجحد البعض يقاوم لتنزيل مقتضيات تدافع عن مصالح معينة في حين منحه القانون و النظام سلطة التشريع للمصلحة العليا.
وأمام هذا الإشكال و التداخل “الملتبس” بين السياسي و القانون وسلطته في التشريع و التنظيم، نستحضر قرار وزير العدل عبد اللطيف وهبي على ضوء الجدل بخصوص امتحان الأهلية لمزوالة مهنة المحاماة، حيث اصدر الوزير وهبي ” قرار رقم 58 الصادر بتاريخ 2 نونبر 2022 تنظم بموجبه كيفية إجراء الامتحان الخاص بمنح شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة برسم سنة 2022، وجاء في المادة الأولى من هذا القرار، “تتم لائحة أعضاء اللجنة المشرفة على الامتحان على النحو التالي: الكاتب العام لوزارة العدل ممثلا لوزير العدل، بصفته رئيسا، و مدير لشؤون المدنية، بصفته نائبا للرئيس، و مديري الإدارة المركزية لوزارة العدل، و الرؤساء الأولين والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف بكل من الرباط، القنيطرة، الدارالبيضاء، سطات، الجديدة، فاس، طنجة، تطوان، وجدة، مراكش، آسفي، أكادير، بني ملال، الرشيدية، العيون، و رئيس جمعية هيئات المحامين، و نقباء هيئات المحامين الممارسين بكل من الرباط، الدارالبيضاء، فاس، طنجة، وجدة، مراكش، أكادير، بني ملال، مكناس”.
وقبل الخوض في الحديث عن القرار و التدقيق فيه بعضا من الوقت، دعونا نلقي نظرة على قرار الامتحان الذي سبقه قبل أربع سنوات، وما الذي اختلف فيه من حيث اللجنة التي اختارها الوزير الرميد وقتها ” حيث قرر أن ” اللجنة المشرفة على الامتحان تتكون من وزير العدل والحريات وينوب عنه مدير الشؤون المدنية بصفته رئيسا؛ و مدراء الإدارة المركزية لوزارة العدل والحريات؛ و الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف؛و الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف؛ و رئيسي محكمتي الاستئناف الإدارية ورؤساء المحاكم الإدارية؛ و رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب؛ و نقباء هيئات المحامين؛ و سبعة ممثلين عن الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة بصفتهم مراقبين؛ و سبعة ممثلين عن الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة “ترانسبرنسي” بصفتهم مراقبين.
نرى أن وهبي حذف أعضاء حقوقيين ممثلين لهيئة الرشوة و ترانسبارني، كما حدد نقباء بعض المدن و استثنى نقباء مدن أخرى، وهنا يتضح رؤية السياسي في تنزيل القوانين و تنفيذ بعض المقتضيات التي منحها القانون بالحق في التنظيم، حيث نجد الاختلاف دون أدنى توضيح أو بيان أو بلاغ للناس، فما الذي وقع حتى “طرد” ممثلي هيئات محاربة الرشوة من لجنة تشرف على امتحان مهنة نبيلة كالمحاماة…
إن إصلاح العلاقة بين السياسة والقانون في بلادنا لا يمكن أن تستقيم إلا بإصلاح الانتماء، والصالح العام، والولاء؛ فالانتماء محصلة لكل عوامل الثقافة والتاريخ والأرض والإنجاز والمصالح، وهو قيمة لا تقبل المساومة ولا التغيير ولا المناورة، وأن يتم الفصل بين فهمنا للولاء السياسي والانتماء الوطني، في حين أن القانون هو أكبر ضمانة للصالح العام بل أن أبسط فهم للصالح العام يتمثل في نفاذ القانون على جميع وعمل القانون لصالح الجميع .
التدخل السياسي، عبر آليات متعددة، في إعادة تكييف القانون، أضعف مكانة القانون في المجتمع، وأضعف ثقة الناس بفكرة دولة القانون والمؤسسات، وبالتالي، أضعف هذا التراكم أداء مؤسسات تطبيق القانون ، و أكثر ما نحتاجه اليوم هو تخليص القانون من سطوة السياسة وهيمنة السياسيين، وقلب المعادلة السائدة بأن تكون السياسة تتبع القانون.