غريب ما نعيشه اليوم امام نقابات دخلت “كهفا” عميقا و نال منها السبات و النوم حتى تحولت الى أطلال لا تسمع صوتها لا في بيانات تحتفظ بذات الديباجة اللغوية و الانتظارات و المطالب البائدة، و قبل الخوض في واقع حالها دعونا نرجع بعضا من السنون الى إنطلاق الإرهاصات الأولى لتشكل الحركة النقابية المغربية ببروز دور النقابيين المغاربة الذين استفادوا من الفرنسيين والأوروبيين، في كيفية العمل النقابي والتشريعات المرتبطة به وهو ما جعل عناصرها تتطور إلى حين إنشاء اتحاد النقابات الكونفدرالية عام 1946 الذي أصبح اتحاد النقابات المستقلة عام 1950 ….
و التذكير ببداية العمل ولو بشكل متقطع حيث انطلقت الشرارة النقابية إبان اغتيال الشهيد المناضل فرحات حشاد ، وشكل ظهير 12 شتنبر 1955 الذي نص صراحة على السماح للمغاربة بالانتماء النقابي حيث ظهر أول تجمع نقابي خاص بالمغاربة، قبل أن يتم تنظيم هذا الحق بمقتضى ظهير 16 يوليوز 1957.
فالنقابة كانت تمارس جاذبية لا تقاوم على العمال و الطبقات الكادحة، و كان المناضلون النقابيون متعطشين للكفاح، و كانت السنوات مطبوعة بنشاط دعاوي كثيف، واستقطاب، ونضالات مطلبية كان بعضها بالغ الضراوة، من أجل رفع الأجور، واحترام الحريات ……
لاشك ان العمل النقابي كان دوما لصالح الشغيلة، اليوم تحولت المقاييس بشكل جدري واضحى لصالح الباطرونا و الحكومة و السياسيين، و تحول النقابي صاحب ربطة العنق الانيقة و السيارة الفارهة الى مدافع عن الكادحين في مشهد سريالي لا يستوي و لا يحبذ مشاهدته لانه يدمي قلوب الضعفاء، و تحول النقابي القيادي الى شخص ارستقراطي مواظب على السمون فيمي و الكافيار و على مطاعم اللوكس و نقاشات البيزنس اكثر من حوارات و مفاوضات الدفاع عن الطبقات الكادحة…
كيف لي النقابي الارستقراطي الذي فقد طعم الخبز اليابس و جلوس الحصير و ساعات العمل الكثيفة و الاجر الناقص ان يحس و يشعر بمن يظن انه يدافع عنهم او من يتخيل اليه انه قائدا لهم… غريب امر هذا الارستقراطي الذي تسلل عبر جسر النقابة الى عالم البيزنس و الارستقراطية …. هنيئا للارستقراطي النقابي بالارستقراطية و هنيئا للنقابة بارستقراطي يقود طبقات الكادحة في مشهد يعيد تاريخ عهد السخرة ….