في خطوة تصعيدية تعكس حجم القلق المتزايد بشأن مستقبل مكافحة الفساد في المغرب، خرجت الجمعية المغربية لحماية المال العام، المعروفة بنشاطها الواسع في رصد وتتبع ملفات الفساد والرشوة ونهب المال العام، لتعلن رفضها القاطع لما أسمته “الانحراف التشريعي” الذي تسعى الحكومة إلى تمريره من خلال مشروع قانون المسطرة الجنائية، خصوصاً عبر المادتين 3 و7، واللتين اعتبرتهما الجمعية تهديداً مباشراً لجهود المجتمع المدني في محاربة الفساد وفضح مظاهره في المؤسسات العمومية.
الجمعية، التي يقودها الناشط الحقوقي محمد الغلوسي، أوضحت في بلاغ رسمي أنها ستخوض برنامجاً نضالياً تصاعدياً، يتضمن تنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان يوم 16 يونيو المقبل، للتعبير عن رفضها لهذه الخطوة التي رأت فيها محاولة لتجريد المجتمع من أدواته المدنية في التبليغ والمساءلة، بل ووسيلة لتقنين الحصانة القانونية للمسؤولين المتورطين في تدبير المال العام.
وتشير الجمعية إلى أن مشروع القانون، عوض أن يعزز دور المجتمع المدني ويقوي سلطة القضاء والنيابة العامة في التصدي للفساد، يذهب في اتجاه تقييد هذه المؤسسات، مما يفتح الباب أمام مزيد من الإفلات من العقاب، ويشكل انتهاكاً صارخاً للدستور المغربي ولمقتضيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب.
وفي هذا السياق، قال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إن المادتين 3 و7 تمثلان “خطوة نحو تحييد المجتمع من معركة مكافحة الفساد”، معتبراً أن هذه المعركة ليست مجرد واجب قانوني بل مسؤولية مجتمعية مشتركة.
وأوضح الغلوسي في تدوينة نشرها على صفحاته الرسمية، أن الشكايات التي تقدمها الجمعية لا تُعتبر هدفاً في حد ذاتها، وإنما وسيلة لفضح سوء التسيير وتدبير الشأن العام، وهي جزء من العمل المدني الهادف إلى ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة وتعزيز دولة القانون.
وأضاف أن الجمعية لا تتعامل مع الشكايات بوصفها آلية للاتهام أو لتصفية الحسابات، بل كأداة قانونية ومجتمعية للمساهمة في تطهير الحياة العامة من الفساد والريع، مؤكداً أن هذه الشكايات لا تستهدف أشخاصاً بذواتهم، بل تُقدم بناءً على مؤشرات وشبهات تُحيلها إلى الجهات القضائية المختصة.
البلاغ الصادر عن الجمعية نبه إلى أن تغول الفساد في مختلف القطاعات والمؤسسات بات يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل التنمية في المغرب، مستحضراً ما وصفه بـ”فضيحة شبكة الفساد بجامعة ابن زهر بأكادير”، التي طالتها شبهات تتعلق بتزوير الشهادات الجامعية، ما يُثير تساؤلات خطيرة حول نزاهة النظام الأكاديمي في البلاد.
ووفق المعطيات المتوفرة، فإن بعض المنتسبين لتلك الشبكة استفادوا من مناصب عمومية ومنتخبة بفضل شهادات مشكوك في صحتها، وهو ما يضرب مصداقية مؤسسات التعليم العالي في العمق، ويشكل تهديداً مباشراً لمبدأ تكافؤ الفرص ولجودة التكوين الجامعي.
وفي هذا السياق، طالبت الجمعية بتوسيع التحقيقات القضائية لتشمل كافة المتورطين المحتملين، وفتح مساطر تتعلق بغسل الأموال بحق من ثبت استفادتهم من مداخيل مشبوهة مستمدة من هذه الأنشطة غير المشروعة.
في نقد صريح للتوجهات الحكومية، أعربت الجمعية عن استغرابها من حماسة الأغلبية البرلمانية لتمرير المادتين اللتين تشكلان، بحسبها، وسيلة “لتحييد المجتمع وتجريد النيابة العامة من صلاحياتها”، متهمة هذه الأغلبية بمحاولة تقنين الامتيازات القضائية لفئات بعينها، على حساب مبادئ المحاسبة والعدالة.
وانتقد البلاغ تقاعس الحكومة عن معالجة قضايا جوهرية مثل تجريم الإثراء غير المشروع، وتضارب المصالح، وتعديل قانون التصريح الإجباري بالممتلكات، معتبراً أن كل هذه المؤشرات تدل على غياب إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد.
الغلوسي وصف هذا المسار التشريعي بأنه “تغول على المؤسسات ومحاولة للهيمنة على القرار القضائي”، مشيراً إلى أن تقليص صلاحيات النيابة العامة وربط تحريك الأبحاث بشروط تعجيزية يعد سابقة خطيرة، تُسهم في تحصين المتورطين ومنع محاسبتهم.
وقال إن الجمعية تعمل حالياً على صياغة خطوات عملية لمواجهة هذا الانحراف، من خلال تنظيم لقاءات مع الأحزاب السياسية والمؤسسات الدستورية ذات الصلة، إلى جانب تعبئة ميدانية ومجتمعية واسعة، مشدداً على أن الوعي المجتمعي يجب أن يظل يقظاً، لمواجهة ما يتم الإعداد له من ضربات متتالية للمكتسبات الحقوقية والدستورية التي راكمها المغرب خلال العقود الماضية.
واختتمت الجمعية المغربية لحماية المال العام بلاغها بدعوة كافة القوى الحية في البلاد، من هيئات سياسية ونقابية ومدنية، إلى الانخراط الجاد والمسؤول في معركة الدفاع عن المال العام ومحاربة الفساد، معتبرة أن هذه المعركة ليست حكراً على جهة دون أخرى، بل هي شأن وطني يتطلب تضافر الجهود لحماية ما تبقى من أمل في تحقيق العدالة والنزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام.