شدد محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، على أن “صدور مدونة الأسرة في بلادنا شكل محطة فارقة في مجال حماية حقوق الإنسان، ولا سيما حماية حقوق المرأة والطفل، حيث عملت المدونة على الموازنة بين روح العصر والتطور، والالتزام بأحكام الشرع، فجمعت في أحكامها بين منظومة الحقوق كما هي متعارف عليها دوليا وبين القيم الإسلامية السمحة والاجتهاد الفقهي الرصين”.
وأضاف عبد النباوي خلال مشاركته في ندوة وطنية حول “المساواة والعدل في الأسرة المغربية”، أن “المدونة استطاعت تكريس المساواة بين الزوجين في الحقوق والواجبات في العديد من صورها، سواء عند إبرام عقد الزواج، حيث أصبحت الراشدة تعقد على نفسها بدون ولي، شأنها شأن الرجل، أو خلال العلاقة الزوجية عبر إقرار المدونة للمسؤولية المشتركة للزوجين تجاه أطفالهما فيما يخص الرعاية والحماية والتوجيه، أو بعد انحلال الرابطة الزوجية من خلال إقرار آليات انفصال توافقية لم يتضمنها قانون الأحوال الشخصية من قبل”.
وأشار عبد النباوي، أن “الدستور أقر في الفصل 19 منه تمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة فيه وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، على أن تسعى الدولة في كل مشاريعها إلى تحقيق مبدأ المناصفة والمساواة بين الرجال والنساء”.
وقال الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، “بعد مرور قرابة عقدين على تطبيق مدونة الأسرة، وبالنظر لما تعرفه حقوق الإنسان من دينامية مضطردة في ظل مجتمع يتطور باستمرار في اتجاه تعزيز مكانة المرأة ودعم حقوق الطفل، بات من الضروري تقييم نجاعة أحكام المدونة في حماية الأسرة من جهة، ومدى ملاءمتها لمبادئ المساواة والمناصفة التي نص عليها دستور 2011 من جهة أخرى”.
وأكد عبد النباوي أن المراجعة ستتوقف على الثغرات القانونية، واختلالات النصوص، كما ستعالج القراءات القانونية والقضائية التي لا تنسجم مع حاجيات المجتمع ولا تمضي في نسق مبادئ الدستور، وستكون قراءة جديدة لمدونة قال عنها الملك محمد السادس إنها “مدونة الأسرة كلها”، مضيفا أن هذه القراءة ستستحضر الاجتهاد والعمل القضائي المناسب للمجتمع ولرفاه الأسرة واستقرارها، وستجد حلولاً تشريعية واضحة للقضايا الخلافية، وذلك كله في إطار التمسك بمبادئ الشريعة السمحة وانسجاماً مع دستور المملكة، تحقيقاً للعدل والإنصاف وحماية لأطراف الأسرة.
من جهته كشف مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة بندوة “المساواة والعدل في الأسرة المغربية”، أن الملتمسات الرامية لرفض تزويج القاصر برسم سنة 2021 بلغت ما نسبته 69,94 في المائة من مجموع الملتمسات المقدمة في الموضوع. في حين شكلت هذه النسبة 36 في المائة سنة 2018، و58,4 في المائة سنة 2019 و 65 في المائة سنة 2020، وقد انعكس هذا المنحى الإيجابي كذلك على مستوى الإحصاء العام لأذونات زواج القاصر، والذي عرف انخفاضا مضطردا برسم السنوات 2018 و2019 و2020 و2021 مقارنة بسنة 2017.
وقال الداكي، أنه إذا كان تطبيق مدونة الأسرة التي انصرم على دخولها حيز التنفيذ ما يزيد عن 18 سنة، وهي مدة كافية من الناحية العلمية لتقييم هذا النص، يفرض على جميع المهتمين القيام بوقفة تأمل لرصد المكتسبات، والكشف عن مكامن الاختلالات واستحضار المستجدات الوطنية والدولية؛ فإن تحقيق هذا الرهان لن تكتمل معالمه إلا إذا تم تبني قراءة تستحضر أبعاد وآثار هذا التطبيق على المغاربة جميعا، ومكونات الأسرة برمتها من نساء وأطفال ومسنين بمن فيهم من هم في وضعية إعاقة، ذلك أن معيار نجاح قانون الأسرة يتوقف بالضرورة على مقاربته لكافة الإشكالات التي تمس مصالح الأسرة ومراعاته لمبادئ المساواة والعدل والانصاف.
وأفاد الداكي، أن رئاسة النيابة العامة عملت منذ تأسيسها على إيلاء حماية الأسرة أهمية قصوى، وجعلتها في مقدمة الأوراش التي يتعين الحرص على تتبعها من خلال تدخل النيابة العامة بمحاكم المملكة، وقد تجلى هذا الحرص منذ صدور أول منشور لرئيس النيابة العامة، الذي اعتبر حماية الأسرة، والفئات الخاصة من أولويات السياسة الجنائية، وخاصة حماية الأطفال والنساء.
وقد واكبت رئاسة النيابة العامة مواضيع الأسرة بحرص شديد سعت من خلاله إلى تفعيل أدوار النيابة العامة في قضايا الأسرة عموما وتعزيز حضورها وحرصها على مصالح أفرادها جميعا وتعزيز مكانتهم القانونية من مقاربة مواكبة ومؤازرة الطرف المستحق للحماية، كما في قضايا النفقة والحضانة أو الطلاق أو التعدد أو الزواج المختلط ومن مقاربة الحرص على تحقيق مبدأي المساواة والعدل.
وشدد الداكي، أن موضوع الزواج المبكر شكل إحدى اهتماماتها ذات الأولوية حيث جعلته في مقدمة انشغالها لتعزيز حماية الطفل والأسرة اقتناعا بأن زواج من لا أهلية له تترتب عنه أسرة يخشى على تماسكها كما يخشى من أثر ذلك على المجتمع برمته، وعبرت رئاسة النيابة العامة عن ذلك من خلال سعيها لتطوير دور قضاة النيابة العامة والرفع من قدراتهم المعرفية في هذا المجال، كما سعت إلى طرح الموضوع واسعا للنقاش مع باقي المتدخلين فيه في عدد من اللقاءات الدراسية التي نظمتها، وأصدرت ثلاث دوريات في الموضوع ضمنتها توجيهاتها للنيابات العامة، والتي تهدف بالأساس إلى تفاعلها بإيجابية مع جميع قضايا الأسرة، وإلى استحضار المصالح الفضلى للأطفال وحقوقهم في المقام الأول.