في ليلة سياسية مشحونة بنبرة التحدي والاستفهام، تحوّل فضاء معهد الدراسات العليا للتدبير (HEM) إلى منصة لتفريغ غضب المعارضة.
هناك، تعالت أصوات ثلاثة من أبرز قادة الأحزاب المعارضة، محذرين مما سموه “استمرار التحكم وتغول الأغلبية”، ومطالبين بكبح جماح ما وصفوه بالانحراف الديمقراطي.
نبيل بنعبد الله: “التحالف الثلاثي ليس قدَرا”
محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بدا غير متفائل وهو يستعيد مشهد انتخابات 2021.
بصراحة اعتاد عليها، قالها دون مواربة: “حذاري من تكرار نفس السيناريو في 2026”. يقصد بذلك استمرار التحالف الثلاثي الذي يرى فيه تجربة فاشلة على أكثر من صعيد.
حديثه لم يخلُ من مرارة، إذ عبّر عن رفضه المستمر لما اعتبره “إلقاء اللوم على المعارضة”، متسائلًا كيف يمكن محاسبة من لا يملك أدوات الحكم.
ومضى أبعد من ذلك حين اتهم أطرافًا داخل الحكومة بمحاولة تسيير قوانين الانتخابات وفق منطق الغرف المغلقة، محذرًا من العزوف الشعبي المتزايد.
لشكر: “تغول يتجاوز المركز”
أما إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، فقد كانت كلماته محمّلة بحنين إلى معارضة زمن الستينات، حين كانت المعركة مكشوفة مع النظام.
اليوم، يقول لشكر، نحن أمام شكل جديد من التغول، ثلاثي الأبعاد، لم يعد يقتصر على المركز، بل تمدد إلى الجهات والأقاليم، في مشهد يشي بـ”غياب إصلاح حقيقي”.
لشكر، الذي لطالما كان حاد النبرة حين يتحدث عن المال في السياسة، عاد ليؤكد أن “الشكارة” باتت تهدد نزاهة العملية الانتخابية. فحسب قوله، لا يمكن الوثوق بمستقبل سياسي تسيره الحقيبة أكثر مما تسيره الكفاءة.
أوزين: “قفة تفضح الدولة الاجتماعية”
ومن جهته، لم يفوّت محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، فرصة اللقاء ليصوّب سهامه نحو الحكومة. بنبرة لاذعة، قال إن هذه الأخيرة جمعت كل شيء وفشلت في كل شيء.
لكنه لم يكتف بالنقد العام، بل اختار مثالًا ملموسًا ليصف ما يحدث: “القفة السياسية”، كما سماها، التي ظهرت في نفس يوم صدور مرسوم تنظيم الإحسان العمومي، عرّت ما تبقى من مفهوم الدولة الاجتماعية.
أوزين لمح إلى أن استغلال الحاجة والفقر في الحملات الانتخابية أصبح أمرًا مفضوحًا، ما يهدد الجوهر الأخلاقي للسياسة برمّته.
صوت موحّد: 2026 ليست بعيدة
رسائل الأحزاب الثلاثة، وإن اختلفت لغتها، كانت متقاربة في جوهرها: لا بد من تغيير المسار.
فـ2026 ليست بعيدة، وعلى الجميع الاستعداد لمواجهة تحدٍ أكبر من مجرد صناديق اقتراع؛ إنه تحدّي إعادة الثقة في السياسة، وإبعاد الفاسدين عن مفاصل القرار، كما عبّر بنعبد الله.
وفي بلد يترقب استحقاقات جديدة على وقع تحولات اقتصادية واجتماعية متسارعة، يبدو أن ما قيل في تلك الليلة لم يكن مجرد كلام ندوة، بل إشارات مبكرة لمعارك قادمة.