وجه الاتحاد المغربي للشغل ملاحظاته لوزير التشغيل حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب، أكد فيها رفضه لكل المقتضيات التي تحد من هذا الحق الدستوري، ولما تضمنه المشروع من عقوبات و”سخرة” واقتطاع من أجور المضربين، وغيرها من المقتضيات التي اعتبرتها المركزية النقابية خرقا للدستور ولالتزامات المغرب الدولية.
وأوضح الاتحاد في مذكرته أن من مظاهر عدم التوازن التي تطبع هذا المشروع الميز وعدم التكافؤ بين الفئات المشمولة بحق الاضراب من أجراء ومهنيين، كما أنه يخصص أكثر من سدس مواده للعقوبات الزجرية والحبسية والغرامات تجاه النقابيين والمضربين والمنظمات النقابية، مشددا على ضرورة أن يبتعد عن لغة الزجر والعقاب والتجريم، ليعتمد لغة قانونية وحقوقية صرفة، تعزز وتحمي حق ممارسة الإضراب.
ودعا الاتحاد إلى تقديم مشروع القانون بديباجة تأطيرية تضعه في إطاره العام وتحدد أسس الحق في الإضراب ومبادئه التأصيلية ومرجعياته الحقوقية والقانونية، الدولية منها والوطنية، وكذا الأهداف العامة والآليات المؤسساتية والقانونية لحماية ممارسة حق الإضراب.
وأكدت المركزية النقابية أن هذا المشروع ينبغي أن يتأسس على مبادئ عامة، من بينها تكريس الحريات النقابية، والتوازن وعدم التمييز، والحوار والتشاور وفق مبدئ الآلية الثلاثية، والمفاوضة الجماعية، واحترام تشريعات العمل، واحترام شروط الصحة والسلامة، وفي حالة تنازع حول المفاهيم أو مواد هذا القانون تعطى الأولوية في التطبيق للمقتضيات القانونية الأكثر فائدة للأجراء وللمنظمات النقابية.
وقدمت أكبر نقابة في المغرب تصورها لتعريف الإضراب، والمعنيين به، وأشكاله، والجهات الداعية له، ومستويات ممارسته في القطاع العام، ودواعيه وآجاله.
وشدد الاتحاد على أن ممارسة حق الإضراب السلمي في أماكن العمل تعتبر حقا مشروعا، وعليه فوجود العمال في أماكن عملهم لا يعتبر بأي حال من الأحوال احتلالا لأماكن العمل أو عرقلة للعمل، والإضراب المرفق بالاعتصام أمر مشروع لا يمكن أخذه كذريعة لأي تدخل من أي جهة كانت لفكه مادام سلميا ومتحضرا، معتبرا أن محاولة ربط حق الإضراب بعرقلة حرية العمل واحتلال أماكن العمل هي في حقيقة الأمر محاولة صريحة لتجريم ممارسة هذا الحق.
وباعتبار الإضراب حقا مشروعا، فالدعوة له، حسب ذات المذكرة، لا تتطلب ولا تستدعي اللجوء للقضاء الاستعجالي لكون الأسباب الداعية للإضراب تدخل في النزاعات الشغلية، وبالتالي فإن الإقحام التعسفي للقضاء الاستعجالي يؤكد خلفية اعتبار ممارسة حق الإضراب جريمة يعاقب عليها القانون.
وأكدت المذكرة أن الأصل في ممارسة حق الإضراب انه مكفول للجميع، وإذا كان هناك استثناء فيجب ان يعتمد أساسا على معايير منظمة العمل الدولية وعلى الدستور، من قبيل الموظفين حاملي السلاح والخاضعين لأنظمة أمنية، شبه عسكرية، أما فيما يخص الحد الأدنى للخدمة في المرافق الحيوية، فلا يجب إدراجها ضمن هذا القانون التنظيمى.
وطالبت المركزية بحذف مادة “مسطرة التسخير” جملة وتفصيلا باعتبارها مناقضة ومنافية ومعاكسة لمسار بناء دولة الحق والقانون والديمقراطية، ورفضت وضع عقوبات سالبة للحرية أو أي نوع آخر من العقوبات الجنحية والغرامات، أو أي إحالة على قوانين عقابية أخرى، وحثت على ضرورة الإسراع في نسخ وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي.
كما نبه الاتحاد إلى كون مشروع القانون يرمي الى الإجهاز على مجموعة من المكتسبات التي راكمتها الطبقة العاملة والحركة النقابية عبر مسارها التاريخي وكرستها عمليا لعقود من الزمن مثل عدم المساس بأجور المضربين، معتبرا أن قاعدة الأجر مقابل العمل التي هي حق يراد به باطل تتعلق بعمل أو خدمة يقدمها شخص (المعلم) لشخص آخر لا تربطهما علاقة تبعية وبالتالي فهي لا تجد مجالا لتطبيقها في إطار العلاقات الشغلية ذات العلاقة التبعية وفي النزاعات الجماعية.
ورفضت المذكرة تضمن المشروع مسطرة جد معقدة لتبليغ قرار الإضراب، وبالتالي وجب الاقتصار فقط على تبليغ المشغل أو من يمثله في القطاع الخاص، أو رئيس الإدارة أو من يمثله في القطاع العام.
واعتبر ذات المصدر أن تمكين رئيس الحكومة السلطة من منع الإضراب أو وقفه لمدة محددة، في الوقت الذي يتمتع فيه بصفة السلطة التنفيذية وصفة المشغل في القطاع العام، يعتبر تناقضا وتضاربا في المهام ويشكل خرقا دستوريا وتقييدا ومصادرة صريحة لممارسة حق الإضراب.
من جهته قرر المجلس الوطني للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، تسطير برنامج نضالي تصعيدي عبر صيغ وأشكال احتجاجية متعددة، بما فيها الإضراب العام، وفوض للمكتب التنفيذي صلاحية تحديد تواريخ تنفيذ الاحتجاجات، التي تأتي رفضا للتشريعات الحكومية “التراجعية”، وعدم وفاء حكومة أخنوش بالتزاماتها.
ويأتي قرار المركزية النقابية العودة إلى الاحتجاج، بعد أسابيع من الاستنكار والتنديد بإخلاف الحكومة لالتزاماتها، سواء بعدم عقد جولة أكتوبر من الحوار الاجتماعي، أو بتمرير مشاريع قوانين للبرلمان دون التوافق عليها مع المركزيات النقابية، خاصة مشروع قانون الإضراب، الذي “يكبل” حسب النقابة هذا الحق الدستوري.
واستنكر المجلس الوطني للكونفدرالية في بيان له تعطيل الحكومة للحوار الاجتماعي، وإخلالها بميثاق المأسسة، وضربها للحريات النقابية، وعدم وفائها بالتزاماتها وتعاقداتها المتضمنة في اتفاق 30 أبريل 2022 ومن ضمنها التفاوض والتوافق حول كل القوانين الاجتماعية على طاولة الحوار الاجتماعي قبل إحالتها على البرلمان، ومراجعة قوانين الانتخابات المهنية لأعضاء اللجان الثنائية ومناديب العمال، وتوحيد smig وsmag ، والتفاوض حول ملفات المهندسين والتقنيين والمتصرفين والمحررين والمساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين، وتفعيل تخفيض شرط الاستفادة من المعاش من 3240 يوم اشتراك إلى 1320 يوما، وغيرها من القضايا التي لا زالت تنتظر التنفيذ.
كما دعا المجلس الوطني للكونفدرالية الحكومة وقطاعاتها الوزارية إلى التعجيل بفتح الحوار القطاعي والتعاطي بجدية في تنفيذ الالتزامات والتعاقدات القطاعية، وكذلك العمل على حل نزاعات الشغل وفتح قنوات الحوار على المستوى الترابي واحترام الحريات النقابية، واحترام مدونة الشغل، والتشجيع على توقيع وعقد الاتفاقيات الجماعية.
ونبهت المركزية النقابية الحكومة إلى خطورة تفاقم الوضع الاجتماعي جراء ارتفاع حجم البطالة وغلاء الأسعار والعجز عن ضمان الأمن الغذائي والمائي والطاقي، مما يتناقض وشعار الدولة الاجتماعية، ودعاها إلى اعتماد سياسات عمومية لمواجهة هذه الاختلالات العميقة، وإلى الزيادة العامة في الأجور واعتماد السلم المتحرك للأجور والمعاشات والأسعار.
وإلى جانب ذلك عبر “الكونفدراليون” عن رفضهم التام لمشروع القانون التنظيمي للإضراب الذي تمت إحالته على البرلمان دون التفاوض والتوافق حوله على طاولة الحوار الاجتماعي، ورفضهم التام لمشروع قانون 23-54 القاضي بدمج cnops في cnss، معتبرين أن يشكل فصلا جديدا من فصول الإجهاز على الوظيفة العمومية وعلى مكتسبات المؤمنين.
ويحذر ذات البيان من المس بمكتسبات التقاعد، ومن المخططات التراجعية التي يتم التحضير لها في هذا الشأن، داعيا إلى الرفع من قيمة معاشات المتقاعدين، وإعفائها الكلي من الاقتطاع الضريبي، بما يساهم في النهوض بأوضاعهم المادية والاجتماعية، و ينسجم مع الارتفاع المطرد للأسعار ولتكاليف العيش الكريم.
كما اعتبر أن مشروع قانون المالية 2025 لم يقدم أجوبة وإجراءات ملموسة لمعالجة المعضلات الاجتماعية، ولم يأت بإصلاحات ضريبية حقيقية، ويكرس نفس منحى القوانين المالية السابقة.
ودعت الكونفدرالية إلى محاربة كل أشكال الفساد باعتباره مدمرا للاقتصاد الوطني وللحقل السياسي، ويفوت على المغرب إمكانيات تحقيق التنمية والديمقراطية الحقيقية، مقابل إقرار ضريبة على الثروة، ومحاربة التملص الضريبي واستثمار عائدات ذلك في تمويل الحماية الاجتماعية.