منذ أن أعلنت الجزائر عن إسقاط طائرة استطلاع دون طيار قالت إنها “مالية”، في فاتح أبريل الجاري، على مقربة من حدودها الجنوبية، والمشهد الإقليمي في الساحل الإفريقي لم يعد كما كان.
حدث بسيط ظاهريًا، لكنه فجّر ما يبدو أنه شرخ عميق في العلاقة بين الجزائر وتحالف “دول الساحل” الجديد، المؤلف من مالي، النيجر وبوركينافاسو، ثلاثي عسكري يعيد رسم ملامح المنطقة بطريقته الخاصة.
ردة فعل الجزائر لم تتأخر: استدعاء سفيرها في باماكو، انسحاب من لجنة رؤساء الأركان المشتركة، ورفع شكوى إلى منابر دولية بدعوى “الاعتداء على السيادة”.
لكن خلف هذه الإجراءات الرسمية، ثمة ما هو أعمق: الجزائر تشعر، ربما لأول مرة منذ عقود، أن الحزام الأمني التقليدي الذي كانت ترتكز عليه جنوبًا، بدأ يتهاوى أو يتحول خارج قبضتها.
في الجهة المقابلة، لم تُخفِ دول الساحل الثلاث تصعيدها ضد ما تعتبره “تحركات عدائية” من طرف الجزائر.
مصادر قريبة من التحالف الجديد لا تستبعد أن تكون هذه الحادثة بداية لما يشبه القطيعة مع الجزائر، التي كانت تاريخيًا تلعب دور “الوسيط الكبير” في أزمات الساحل، وإن من خلف الستار.
هذه الأزمة لا تنحصر فقط في حادثة “الدرون”، بل هي انعكاس لتحولات عميقة تعيشها منطقة الساحل، حيث صعدت أنظمة عسكرية بأجندات جديدة، تتجه أكثر فأكثر نحو محاور أخرى، مثل روسيا، وتتخذ مسافة واضحة من النفوذ التقليدي الفرنسي… ومن الجزائر كذلك.
الأسئلة الآن مفتوحة على مصراعيها: هل تقطع الجزائر شعرة معاوية مع جيرانها في الجنوب؟ وما مدى قدرة دول الساحل على مواجهة التحديات الأمنية بدون دعم الجزائر؟ والأهم، هل تتحول حادثة طائرة إلى لحظة مفصلية تعيد خلط أوراق النفوذ في عمق إفريقيا؟
المنطقة حبلى بالاحتمالات، وكل ما حدث قد لا يكون إلا الفصل الأول في لعبة جيوسياسية أكبر مما يبدو.