ارتفع جدال مناقشة بنود مكافحة غسيل الأموال ومحاربة الفساد المالي بالقانون الجنائي الجديد المعروض على أنظار البرلمان، وخلقت مناقشات القانون المثير للجدل تباينا في رؤى الفرق البرلمانية و الأحزاب، وصلت الى حدود إتهام الحكومة بفرض إملاءات خارجية لتسريع القانون، دفعت وزير العدل للخروج عن صمته ونفي الإملاءات وإعتبار القانون مطروح منذ مدة على لبرلمان للمناقشة والدراسة، فيما إعتبر برلمانيون أن “القانون يعد أخطر قانون في الولاية التشريعية الحالية”.
وعرفت مناقشات لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، اليوم الثلاثاء، لدراسة مشروع قانون رقم 12.18 الخاص بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي، والقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال، مواقف جديدة للبرلمانيين، اعتبرت ” أن المغرب تأخر في اعتماد قانون خاص بمكافحة غسيل الأموال، داعين على تجويد وتطوير المقتضيات القانونية ذات الصلة بجرائم الفساد المالي.
واعتبر حزب العدالة والتنمية، ” أنه إلى حدود سنة 2007 كان المغرب من الدول القليلة التي تهتم بمسألة غسيل الأموال، مذكرين بتنبيه” مجموعة العمل الدولية من خلال التصنيفات المتتالية من أن جهوده تظل ضعيفة في مسألة محاربة غسيل الأموال، حيث يصنف ضمن الدول المتأخرة نسبيا في إجراءات مكافحة غسيل الأموال.
ودعا الحزب الى تطوير المنظومة القانونية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال، معتبرين ” أن القوانين التي لها حساسية خاصة مثل غسل الأموال والإرهاب تحتاج إلى نقاش برلماني واسع، موضحين حسب قولهم” أنه بقدر ما تضغط المنظمات الدولية على المغرب لتغيير منظومته التشريعية وخاصة الجنائية منها، بقدر ما يجب أن يبذل مجهود وطني لتقييم ودراسة المنظومة القانونية، وإجراء تقييمات هادئة وقبلية بإشراك كل الفاعلين بعيدا عن ضغط توصيات الهيئات الدولية، لأن هذا يمس بسيادة المغرب التشريعية حتى وإن كانت هذه المقتضيات إيجابية”.
وصرحت ماء العينين، أنه” إلى أمد قريب كان يقال بأن غسيل الأموال يجب أن ننظر إليه ليس فقط من الجانب السلبي، باعتبار أن الأمر متعلق بأموال متحصلة مع عائدات غير مشروعة، لكن مادام يتم تبييضها فإنها تدخل في منظومة الاقتصاد الوطني وتضفى عليها الشرعية، وتساهم في الاستثمار وتنتج فرص شغل، وتظهر على مستوى طفرة العقار، لكن في تقييم المخاطر الوطنية يثبت بأن هذا الكلام غير صحيح”.
من جهته شدد عمر عباسي النائب البرلماني عن حزب الاستقلال، أن المنظومة القانونية يجب أن تتعزز بنصوص قوية من أجل مكافحة الفساد المالي، وأشار أن القوانين المغربية يجب أن تتطابق مع المعايير الدولية، والنأي عن أي محافظة تشريعية لأت التوسل بالخصوصية الوطنية لا تصمد أمام التزامات المغرب الدولية وأمام الدستور، وأضاف ” نحن أمام أعمق مراجعة لقانون غسيل الأموال الذي عرفته بلادنا في 2007 “، مشيرا أن هذه المراجعة تحتاج وقتا كبيرا لمناقشة هذا النص بغية تجويده وتطويره.
وشدد على أن السيادة التشريعية بمنطقها الكلاسيكي أصبحت من الماضي في كل الدول، لأن العالم أصبح قرية تشريعية واحدة، وأبرز أن قانون مكافحة الأموال تأخر كثيرا، ويجب الإسراع في اعتماده، مشيرا في ذات الوقت أن حصر المتابعة في المحكمة الإدارية بالرباط قد يؤدي إلى بطء في متابعة قضايا غسيل الأموال.
و دعا حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، إلى الكشف عن جدوى قانون مكافحة غسل الأموال بالتعديلات المصادق عليها، والتي “جرمت كل أنواع البيع والخدمات”، واعتبر النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، توفيق الميموني، في مداخلة خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، أن القانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال، هو “أخطر قانون في الولاية التشريعية الحالية”، مشددا على أن المغرب “لا يعرف فراغا تشريعيا في هذا المجال، ويساير منظومة مكافحة غسل الأموال منذ 2007”.
وأشار البرلماني، إلى أن القانون بصيغته الحالية “يجرم البيع أو تقديم الخدمات بشكل هرمي”، ما اعتبر أنه يجرم بشكل مباشر “كل أنواع البيع”، ما سيدخل على حد قوله ” كل سكان المناطق التي تعرف بزراعة القنب الهندي في دائرة الاشتباه”.
و حذر، من “تأثير القانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال”، والذي اعتبر أن تمريره سيأثر على الإقتصاد الوطني، وسيخلق خوفا لدى المغاربة من كل المعاملات المالية، وشدد الميموني، على أن القانون “لا يعد أولية”، باعتبار أن “ملفات جرائم تبييض الأموال أمام القضاء محدودة”.
و استغرب وزير العدل ، اتهام الحكومة بأنها جاءت بقانون مكافحة غسل الأموال خدمة لجهة معينة، معتبرا ذلك “كلاما خطيرا ويبين كأن مشاريع القوانين تعد إملاءات”، مشددا على أن “هذه التصريحات الصادرة عن نواب العدالة والتنمية والقائلة إننا نتعرض للضغط لتغيير القوانين المغربية والمس بالسيادة الوطنية، ينبغي إعادة النظر فيها”.
ويمكن مشروع القانون السلطات الحكومية من تعقب الأموال غير المشروعة وضبطها، تمهيدا لمصادرتها في النهاية، وملاءمة المنظومة التشريعية الوطنية مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا الباب من طرف مجموعة العمل المالي.
ويهدف النص إلى تجاوز أوجه القصور التي تضمنها نص القانون الحالي، المستمدة أساسا من المؤاخذات التي أبان عنها التقييم المتبادل في جولتيه الأولى والثانية، وتفاديا أيضا للجزاءات التي يمكن أن تصدر عن الهيئات المذكورة، والتي من شأنها التأثير على الجهود التي تبذلها المملكة المغربية في تحصين نظامها المالي والاقتصادي.
وعرفت أبرز تعديلات القانون المعروض على البرلمان في رفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص الذاتيين في جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 3-574 من مجموعة القانون الجنائي، وذلك تماشيا مع المعايير الدولية التي تدعو إلى ردع المتورطين في “الأموال القذرة”.