سناء البوعزاوي
في الوقت الراهن تغيرت عادات أكلنا كمغاربة بشكل كبير نتيجة لعصر السرعة الذي نعيش فيه، وكذلك نتيجة العولمة وانتشار ثقافة “البورغر و السندويتش” ، حيث أن المرأة العاملة أو الطالبة لا يتسنى لها الوقت حاليا في طبخ و إعداد أطباقنا المغربية التي تتسم بفنها العميق وتركيبات توابلها بمقادير معينة والتي هي بمثابة أدوية طبيعية قوية المفعول ، مفيدة للصحة ، وهذا ما يميز مطبخنا المغربي عن باقي المطابخ العالمية .
لكن العمل خارج المنزل أو الدراسة لا تمنع أغلب أو جل المغاربة من التخلي عن طبق محبوب و غني ، جامع و شامل لجميع الخضر ، وجبة صنفتها المنظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة “اليونيسكو” بمثابة تراث مغاربي غير مادي .
هذا الطبق الذي تعده الأمهات و ربات البيوت غالبا يوم الجمعة أو يوم الأحد إذا لم يتسنى لأفراد العائلة أن تجتمع يوم عيد المؤمنين، له دور كبير جدا في التربية و له أدوار أخرى كثيرة ، سنتطرق لها بالتفصيل خلال مقالنا هذا لنبرز مكانته في حياتنا اليومية كمغاربة .
فلا يختلف إثنان عن الدور الكبير الذي يلعبه صحن الكسكس أو “القصرية” باللغة الدارجة المغربية في لم شمل العائلة الصغيرة و أحيانا حتى الكبيرة حسب ظروف و إمكانية تواجد أفرادها ، فهاته اللمة تطوي ثناياها العديد من الرسائل التي توحي بالتقارب و التعاضد و الإلتحامكأسرة ، ناهيك عن الكلام الذي يقال و المعلومات التي تعطى و القصص التي تسرد ، و التي تكون غالبا محملة بعبر و دروس ينتبه لها الأطفال و يميزون بها بين القبيح و الجميل كما يتسنى لكل فرد أن يعطي رأيه ، بطريقة بديعة تحت قبة البيت ، ناهيك عن أن الإلتفاف حول هاته الأكلة يعطي لا ربما فرصة للأب الذي يكون غالبا في عمله ، أو للأم كذلك التي تكون في سائر الأيام مسرعة في تغذية الأطفال ليعودوا في وقت قريب لجنبات المدرسة فربما لا يتسنى لها ملاحظة طريقة أكل أطفالها بتدقيق فيتم تقويمها عن كثب ، و يستطيع الأب أن يناقش بعض الأفكار مع أطفاله .
فنهج الإلتفافحول طبق الكسكس يقرب الأب و الأم أكثر من طريقة أكل أولادهم الصغار ، ولربما تكون حصة تربوية و تقويمية في هذا الجانب، طبعا بشكل هادئ و غير مروع يفقد الجلسة حميميتها فيكون بذلك تقاربا و تربية و صلة رحم في بعض الأحيان للجد و الجدة اللذان لا يبخلان في إعطاء جرعة من الحب تتمثل في اللقيمات و هي الكويرات التي تشكل بخليط من الخضروات و السميد و اللحم ليتم ابتلاعها بشكل سلس . هاته الطريقة التي ينفرد بها طبق الكسكس المغربي ، تسهل للأبناء فرصة التعرف على العديد من أنواع الخضر الموسمية اللذيذة التي قد تصل إلى أكثر من سبعة أصناف في طبق واحد ، ما يجعل هاته الأكلة غنية بالبروتينات، و الأملاح المعدنية ، و الفيتامينات المفيدة للصحة و التي يتبعها كما هو متداول في تقاليدنا المغربية الأصيلة ، كأس كبير من اللبن الخالص الذي يقول عنه المتخصصون في التغذية أنه يغذي الجهاز الهضمي ، و يدعم البكتيريا الجيدة لكي تتكاثر و تكون بعدد كافي لتهضم مكونات الكسكس، وتعزز أنواع الأحماض الأمينية الجيدة لجسمنا ، ناهيك عن عادة إضافة مادة السمن للكسكسالذي لا يتمثل فقط في إعطاء مذاق و نكهة خاصة للطبق ، بل يتعداه إلى تسهيل عملية الهضم بشكل كبير ، فهي لمسة أخيرة صحية أكثر من كونها فنية .
فمن خلال هذا المنطلق يمكننا القول أنه ليس من الذكاء على الإطلاق التخلي عن هاته الوجبة و هاته العادة المغربية التي تضم في ثناياها كل ما هو صحي ، و فني و تربوي و اجتماعي ، و العيب كل العيب أن لا نغرس في ناشئتنا حب ثقافتنا المغربية فهي هويتنا و علينا الإفتخار بها لكي لا تندثر و لكي يبقى الإمتداد إلى الأجيال اللاحقة.
سناء البوعزاوي