جان بيار فيليو
إعداد: إدريس عدار
لقد غذّت نقط القوة الإسرائيلية الثلاث هذه ثلاث نقط ضعف فلسطينية، أولها بوضوح وهم التضامن العربي. فإن رؤساء الدول العربية هم الذين أجبروا القادة الفلسطينيين على تعليق الإضراب العام في عام 1936، ثم استبعدوا أي تمثيل فلسطيني من الهدنة المبرمة مع إسرائيل في عام 1949. ولم تتمكن المقاومة الفلسطينية من استعادة ظهورها الواضح إلا بعد هزيمة عام 1967، وهو ما كرسه استيلاء الفدائيين عام 1969 على منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت حتى ذلك الحين تحت سيطرة القاهرة، لكن أيضا أهدرت منظمة التحرير الفلسطينية مواردها السياسية والعسكرية في الصراعات التي خسرتها في نهاية المطاف أمام الأردن خلال أيلول الأسود عام 1970، ثم أمام سوريا في لبنان في عامي 1976 و1983. وبقيت جميع الأنظمة العربية سلبية عام 1982 أثناء حصار بيروت، إذ حاربت منظمة التحرير الفلسطينية إسرائيل وحدها، قبل إجلائها من العاصمة اللبنانية. كان ينبغي قيام انتفاضة عام 1987، وهي الانتفاضة السلمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكي تؤيد منظمة التحرير الفلسطينية أخيرًا حل الدولتين، مما يفتح الطريق أمام عملية السلام1. ولم يتم تبني مثل هذا الحل إلا في عام 2002 من قبل القمة العربية، في حين أدت الهجمات الانتحارية التي شهدتها الانتفاضة الثانية إلى تشويه عملية السلام في نظر أغلبية الإسرائيليين2. في الواقع إن التضامن الإسلامي مع القضية الفلسطينية كان أقل فعالية من التضامن العربي وبالتالي لا يمكن أن يعوض هذا السجل السلبي. أما بالنسبة للديناميكية الفئوية، فهي تضعف بشكل دائم الوطنية الفلسطينية، التي تميزت منذ البداية بالاستقطاب بين أنصار العائلتين المتنافستين الكبيرتين في القدس، الحسيني والنشاشيبي. لقد دفعت القيادة الفلسطينية الثمن في مواجهة التماسك الصهيوني، ومن هنا هزيمتها خلال الحرب اليهودية العربية 1947-1948 (بين خطة تقسيم فلسطين وإعلان دولة إسرائيل)، ثم حجم الهجرة الفلسطينية. وقد تم تكوين الفدائيين في المنفى وضد الوجهاء التقليديين، حتى لو كانت الجماعات المسلحة تشهد انقسامًا أكثر تقدمًا، تغذيه الصراعات بين المحتضنين العرب لهذا الفصيل أو ذاك. وظل ياسر عرفات على رأس منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1969، وذلك من خلال كبح جموح الفصائل من خلال تعسفه الشخصي ولحساب حركة فتح، الحركة التي أسسها. إلا أن انخراط عرفات بعملية السلام مع إسرائيل يسمح لحماس بأسلمة “تحرير فلسطين” وتقديم نفسها كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية. ورغم كل ذلك نجح عرفات في تجنب الحرب الأهلية التي اندلعت بعد وفاته في عام 2004 بين حماس وفتح، حيث فرضت كل منهما نفسها على رأس منطقة صغيرة في غزة والضفة الغربية. ومنع هذا التقسيم أي تعبئة وطنية طويلة الأمد في مواجهة آلة الضغط الإسرائيلية. وأخيراً، تمثل القضية الفلسطينية المفارقة القاسية المتمثلة في الإفراط في الاستثمار من جانب المجتمع الدولي، من حيث النشاط الدبلوماسي والمساعدات الإنسانية والظهور الإعلامي، من ناحية، والتآكل المستمر لحقوق الفلسطينيين، من ناحية أخرى. هذه المفارقة تنشأ عن “المعايير المزدوجة” التي بموجبها تظل جرائم الحرب، المصنفة على هذا النحو في القانون الدولي، دون عقاب بسبب الوضع الاستثنائي لإسرائيل، التي لا تتردد في وصف أي مبادرة للإدانة، ومن باب أولى للعقوبات، بأنها معادية للسامية. وقد أثبتت الأمم المتحدة، بالتالي، على الرغم من انتعاشها في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، أنها غير قادرة ليس فقط على التسوية، بل حتى على المشاركة في تسوية قضية فلسطين، وهو الصراع الذي حرّكها أكثر من غيره خلال تاريخها الطويل. وقد أدت “الحروب ضد الإرهاب”، انطلاقا من عام 2001، إلى إخلاء البعد السياسي الإقليمي للمواجهة التي تظهر الآن في المصطلحات التي لا تغتفر لصراع الحضارات من النوع العرقي والديني، وهي صدمة تنكر حتى مبدأ التسوية التفاوضية والتنازلات الإقليمية. غير أن الهزيمة التاريخية للوطنية الفلسطينية لا تعني أن إسرائيل انتصرت، بمعنى أن مطالب الشعب المهزوم قد انطفأت. إن إفلاس النخب الفلسطينية، والذي تفاقم بسبب الديناميكيات الفصائلية والتدخل العربي، لم يغير، في الواقع، بأي حال من الأحوال من شدة ارتباط الشعب الفلسطيني بأرضه. فعدد هؤلاء السكان، يظل مماثلاً لعدد السكان اليهود في أراضي فلسطين تحت الانتداب، حتى لو كان ما يقرب من سبعة ملايين يهودي يتمتعون بجميع امتيازات الجنسية الإسرائيلية، بما في ذلك في مستوطنات القدس الشرقية والضفة الغربية، بحيث أن ما يقرب من سبعة ملايين يهودي وينقسم الفلسطينيون إلى أربعة أوضاع غير متوافقة (1.7 مليون عربي إسرائيلي، و300 ألف فلسطيني يقيمون في القدس الشرقية تحت السلطة الإسرائيلية، و2.8 مليون نسمة يقيمون في الضفة الغربية، و2.2 مليون نسمة يقيمون في قطاع غزة). وغي مثل هذه المساحة لا يمكن ضمان السيطرة الإسرائيلية إلا من خلال الإقصاء الدائم لقطاع غزة المكتظ بالسكان، وهو استبعاد مضمون لمدة ستة عشر عامًا طويلة من خلال الحصار الذي يسمح بذلك السكان اليهود، من ذوي الجنسية الإسرائيلية، ليظلوا أغلبية في بقية فلسطين النافعة. إن استمرار الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني قد ساهم في الواقع بدرجة كبيرة في وحشية العالم الحالي، وفي عسكرة العلاقات الدولية، وإغراق الأمم المتحدة، التي شلتها الولايات المتحدة لصالح إسرائيل. قبل عقود طويلة من سيطرة روسيا عليها في سوريا، والآن في أوكرانيا. إن فهم كيف ضاعت فلسطين، ولماذا لم تنتصر إسرائيل، هو بالتالي جزء من تفكير مفتوح في مستقبل هذه الألفية الجديدة.
1- تبين أن اتفاقيات أوسلو لم تنجح في إقامة السلام بين الفسلطينيين والإسرائيليين
2- يشير الكاتب هنا إلى الانتفاضة الثانية التي انطلقت سنة 2000 ردا على القمع الذي تمارسه قوات الاحتلال.
نافذة: إن فهم كيف ضاعت فلسطين، ولماذا لم تنتصر إسرائيل، هو بالتالي جزء من تفكير مفتوح في مستقبل هذه الألفية الجديدة.